الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        باب في النفقة على الحبس

                                                                                                                                                                                        وهي على ستة أقسام: فقسم نفقته من غلته كان الحبس معينا أو مجهولا، وقسم نفقته من غلته إن كان على مجهول، أو على المحبس عليه إن كان على معين، وقسم لا ينفق عليه من غلته كان على معين أو مجهول، وقسم نفقته تارة من غلته، وتارة من غيرها على مجهول كان أو معين، وقسم يختلف فيه هل النفقة على المحبس وهو المالك الأول أو على من حبس عليه. والسادس: لا يكون نفقته على أحد إن وجد من يصلحه وإلا ترك.

                                                                                                                                                                                        فالأول ديار الغلة والحوانيت والفنادق نفقتها إن احتاجت إلى إصلاح من غلتها، وإن كانت الديار للسكنى خير المحبس عليه بين أن يصلح أو يخرج فيكرى بما يصلح به، ثم يعود.

                                                                                                                                                                                        والثاني: البساتين، فإن كانت حبسا في السبيل أو على المساكين أو على عقب معين ولم يسلم إليهم الأصول، وإنما تقسم الغلة عليهم كانت النفقة عليها منها تساقى أو يستأجر عليها، فما فضل بعد ذلك أصرف فيما حبس عليه، وإن كان على معينين وهم يلونها كانت النفقة عليهم، والحكم في الإبل والبقر والغنم كالحكم في الثمار، وإن كانت تقسم الغلة عليهم استؤجر عليها، وما فضل أصرف في الوجه الذي جعلت له، وإن كان حبسا على معين سلمت إليهم، وكانوا بالخيار بين أن يلوها بأنفسهم أو يستأجروا عليها.

                                                                                                                                                                                        والثالث: الخيل لا تؤاجر في النفقة، فإن كانت حبسا في السبيل فمن بيت [ ص: 3443 ] المال، وإن لم يكن بيعت واشترى بالثمن ما لا يحتاج إلى نفقة كالسلاح والدروع، وإن كانت حبسا على معين أنفق عليها، فإن قبلها على ذلك وإلا فلا شيء له.

                                                                                                                                                                                        والرابع: العبيد على ثلاثة أوجه، فإن كانت حبسا في السبيل ولهم صنعة تراد للسبيل كانوا كالخيل ينفق عليهم من بيت المال فيوقفوا لتلك الصنعة، وإن كان المراد منهم الغلة كان نفقتهم من غلتهم، وسواء كانوا حبسا في السبيل أو على الفقراء والمساكين أو على مجهول أو على معين، فما فضل بعد نفقتهم من غلتهم أنفق فيما حبسوا عليه.

                                                                                                                                                                                        واختلف في المخدم هل تكون نفقته على صاحبه أو على المخدم والقول إنه على المخدم أصوب ; لأنه منقطع إليه ليله ونهاره، وليس الشأن أن يأخذ نفقته معه، ولو كان يخدم النهار ويأوي إلى سيده كانت نفقته على سيده، ولو قيل نفقته في النهار على المخدم، فإذا آوى إلى سيده كانت نفقته عليه لكان وجها، وكذلك إذا كان العبد حبسا على معين ليخدمه كانت نفقته عليه.

                                                                                                                                                                                        والخامس: أن يضرب للحبس أجلا يخدم فيه العبد وينتفع بالفرس، فيختلف هل تكون النفقة على المعطي أو المعطى كالمخدم; لأن الرقبة ها هنا باقية على ملك المحبس، وكذا ينبغي أن يكون الجواب إذا لم يضرب أجلا على القول إنه يعود بعد موت المحبس عليه ملكا لصاحبه يكون كالمخدم، ويختلف على من تكون نفقته. [ ص: 3444 ]

                                                                                                                                                                                        والسادس: المساجد والقناطر ، فإنه لا تتعلق النفقة وإصلاحه على المحبس، وإصلاح ذلك من بيت المال، فإن لم يكن ولم يجد من يحتسب لله -عز وجل- بقي حتى يهلك.

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية