الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        باب في إخراج البنات من الحبس

                                                                                                                                                                                        اختلف في ذلك على ثلاثة أقوال: فقال مالك في المجموعة: أكره ذلك . وقال في العتبية: إن أخرج البنات إن تزوجن فالحبس باطل، قال: وهو الشأن. وقال ابن القاسم: إن كان المحبس حيا فأرى أن يفسخه ويدخل فيه البنات، وإن حيز أو مات فات، وكان على ما حبسه عليه . وقال أيضا: إن كان المحبس حيا فليفسخه ويجعله مسجلا، وإن مات لم يفسخ ، فجعل له أن يرده بعد الحوز ويجعله مسجلا ما لم يمت; لأنه لو لم يحزه الذكور حتى مات بطل وكان ميراثا، ولم يكن للذكور ولا لغيرهم شيء.

                                                                                                                                                                                        وقال ابن شعبان: من أخرج البنات بطل وقفه، وهذا مثل قول مالك في العتبية، وذكر أبو بكر ابن حزم أن عمر بن عبد العزيز مات وهو يريد أن يرد صدقات الناس التي أخرجوا منها النساء ، وعلى هذا يجري الجواب في الصدقات إذا تصدق على الذكور خاصة أو على بعض الذكور، فعلى القول الأول يكره، فإن نزل مضى، وعلى القول الآخر يبطل إن لم يشركهم فيه، وعلى أحد قولي ابن القاسم يفسخ ما لم يحز، وعلى القول الآخر يفسخ وإن حيزت ما لم يمت.

                                                                                                                                                                                        وقال في كتاب محمد: لا بأس أن ينحل بعض ولده، وإنما يكره أن ينحل جل ماله، قيل: فإن فعل أترى أن يرد؟ فلم يقل شيئا . [ ص: 3461 ]

                                                                                                                                                                                        والأصل في المنع حديث النعمان بن بشير، قال: أتى بي أبي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: إني نحلت ابني هذا غلاما، قال: "أكل ولدك نحلته مثل هذا؟ ". قال: لا. قال: "فارجعه" . زاد في كتاب مسلم: "لا تشهدني على جور" ، وقال: "لا تشهدني إلا على حق" ، وقال: "اتقوا الله واعدلوا في أولادكم "وقد وافقه البخاري على بعض هذه الألفاظ .

                                                                                                                                                                                        وكل هذا يتضمن منع عطية بعض الولد لعدم المساواة، فأخذ مالك مرة بهذا، وحمله على الوجوب، ومرة حمله على الندب ، ولا يحسن حمل الحديث على من وهب جل ماله أو جميعه لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أكل ولدك نحلته مثل هذا؟ " فأبان أن الرد لعدم المساواة، ولأن ما يبقى الآن بيد الأب لا يفيد من لم يعط شيئا; لأنه إن بقي فورثوه تساووا في ميراثه، وكان ذلك المعطى قد فضل من لم يعط. [ ص: 3462 ]

                                                                                                                                                                                        واختلف في صفة العدل إذا كان ذكرا وأنثى، فقيل: هو أن يعطيها مثل ما يعطي أخاها، وإلى هذا ذهب أبو الحسن ابن القصار، واستحسن ابن شعبان أن يكون على فرائض الله -عز وجل-، وهو أحسن; لأنه حظها من ذلك المال لو بقي في يد الأب حتى يموت، فقد عجل قسمته بينهم، وقد يحمل الحديث "أكل ولدك نحلته مثل هذا؟ " على أن ولده كانوا ذكورا، وأما عطية أبي بكر لعائشة - رضي الله عنها - دون إخوتها فيحتمل أن يكون ذلك; لأنه علم من بنيه أنهم لا يكرهون ذلك لمكانها من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أو لأنه كان أعطاهم قبل ذلك.

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية