الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        باب فيمن وهب أرضا حاضرة أو غائبة أو دينا على حاضر أو غائب

                                                                                                                                                                                        قال مالك -رحمه الله- : ومن وهب أرضا حاضرة في غير وقت حرثها كان قول الموهوب له قد قبلت- كافيا في الحوز . وقال ابن القاسم : إن كان إبان حرثها فلم يحزها بطلت ، والقياس أن تمضي ولا تبطل ، إلا أن تعود يد الواهب عليها بحرث أو غيره .

                                                                                                                                                                                        وإن كانت الهبة بستانا يغلق عليه أجزأه معاينة إغلاقه ، ثم لا يضره إن لم يعمره ، وتركه حتى درس ، وهو بمنزلة من وهب دارا فأغلقها الموهوب له ثم لم يسكنها; لأن الغلق حائل بين الواهب وبينها .

                                                                                                                                                                                        وقال ابن القاسم في من وهب أرضا بإفريقية ، والواهب والموهوب له بالفسطاط فقال : قد قبلت . لم يكن حوزا ، وإن لم يفرط في الخروج . وقال أشهب : إن لم يفرط في الخروج فلم يخرج حتى مات فهو حوز . وقال ابن عبد الحكم عن مالك فيمن تصدق على ابنه البالغ بدار غائبة وجعل من يحوزها له فمات الأب قبل أن تحاز : فهي جائزة للابن .

                                                                                                                                                                                        ومحمل قول ابن القاسم في الأرض على أنه لو خرج لأدرك حراثتها ، [ ص: 3511 ] ولو كان يكون وصوله قبل إبان حرثها لم يضر إن لم يخرج الآن إذا خرج بعد ذلك في وقت يصل قبل حرثها ; لأنها لو كانت حاضرة لكان حوزها بالقول "قد قبلت" بخلاف الدار .

                                                                                                                                                                                        ولو وهب رجل دينا على رجل بإفريقية ، والواهب والموهوب له بالفسطاط فقال : قد قبلت . كان حوزا . قال : لأن الديون هكذا تقبض . يريد أنه لو كان الغريم حاضرا لجاز بقبول الموهوب له ، وإن لم يقبض الدين .

                                                                                                                                                                                        وإن كانت الأرض أو الدار على يدي رجل فوهبها لمن هي في يديه وهو حاضر فقبلها ، أو لأجنبي فقال من هي على يديه : أنا أحوزها له . جاز ، ولم يضر غيبة الأرض ولا الدار .

                                                                                                                                                                                        قال ابن القاسم : ولو استودع الرجل وديعة أو آجره دارا أو أعاره عبدا وكل ذلك غائب فوهب ذلك المالك لمن هي في يديه ، وكلاهما بالفسطاط ، فقال الموهوب له : قد قبلت . كان حوزا .

                                                                                                                                                                                        وقال مالك فيمن وهب دارا غائبة لابن له صغير في حجره جاز .

                                                                                                                                                                                        وقال ابن القاسم فيمن وهب لرجل دينا له عليه فقال : قد قبلت . فذلك قبض ، وقد سقط الدين . [ ص: 3512 ]

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا افترقا ولم يقل : قبلت . فقال ابن القاسم : الهبة ساقطة . وقال أشهب في كتاب محمد : الدين لمن هو عليه إذا أسقطه عنه . وإن لم يعلم بذلك حتى مات الواهب; لأنها وضيعة ، قال : وقد قال مالك فيمن بعث بثوب صدقة إلى غائب وأشهد إن ذلك حوز ، وإن لم يبلغ حتى مات ، وإن وهب الدين لغير من هو عليه وأشهد له أو جمع بينه وبينه ودفع إليه ذكر الحق فهو قبض ، وإن لم يكن ذكر حق فالإشهاد يجزئ . [ ص: 3513 ]

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية