الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        باب فيمن قال : بيعوا عبدي واشتروا عبد فلان للعتق أو لفلان

                                                                                                                                                                                        وصية الرجل ببيع عبده على ستة أوجه :

                                                                                                                                                                                        فإما أن يقول : بيعوه ممن أحب ، أو من فلان ، أو بيعوه لا يزيد على ذلك ، أو يشترط مع ذلك عتقه فيقول : بيعوه ممن أحب للعتق ، أو من فلان للعتق ، أو بيعوه للعتق ولا يسمي أحدا ، فإن كان ثلث الميت يحمل قيمة العبد ولم يوص الميت بغير ذلك أنفذت وصيته ، فإن قال : بيعوه ممن أحب وأحب العبد أن يباع من أحد بيع منه ، فإن لم يشتره بقيمته حط إلى مبلغ ثلث قيمته ، فإن لم يرض إلا بأكثر ، أو لم يكن له رغبة في شرائه ، أو انتقل العبد إلى آخر فعل معه مثل ذلك ما لم يكثر ، فإن لم يرض من يختاره العبد إلا بوضيعة أكثر من الثلث ، كان فيه قولان :

                                                                                                                                                                                        فقال مالك : يخير الورثة بين أن يبيعوه بذلك ، أو يعتقوا ثلثه ، وقال أيضا : يكون رقيقا . وهو أقيس; لأن الوصية لم تكن بأكثر مما فعلوه ، وإن لم يحمله الثلث ولم يجز الورثة الوصية أعتق منه ما حمل جميع الثلث من مال الميت ليس ثلث العبد ، وإن قال : بيعوه من فلان عرض عليه بقيمته ، فإن لم يرض حط إلى مبلغ ثلث قيمته . [ ص: 3547 ]

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا لم يرض إلا أن يحط فوق ذلك ، أو قال : لا أشتريه ، فقال ابن القاسم في المدونة : له ثلث العبد بغير شيء . وقال أشهب في كتاب محمد : لا شيء له . وهو أحسن ، وقد تقدم وجه ذلك .

                                                                                                                                                                                        واختلف في القدر الذي يحط إذا قال : بيعوه ممن يعتقه ، فقال مالك : يحط ثلث قيمته ، وقال في كتاب محمد : يباع بما أعطي فيه ويجعل ثمنه ثلث الميت ويبدى على الوصايا . قال : وإنما يمضي ثلث ثمنه إذا قال : بيعوه ممن أحب . وهو أصوب; لأنه إذا قال : بيعوه ممن أحب يشتريه مشتريه ليتملكه فيحط ما يكون تغابنا والمشتري للعتق لا يتملكه ، وإنما هو معتق على الآخر ولا يبذل فيه للعتق إلا أيسر ثمنه .

                                                                                                                                                                                        وأرى أن ينظر إلى ما يباع به بشرط العتق ، فإن قيل : عشرون كانت العشرون كالثمن الصحيح ثم يحط ثلثها; لأنه التغابن الذي يقع في بعض البياعات . وقال أشهب : إذا قال : بيعوه ولم يزد على ذلك لم تنفذ وصيته .

                                                                                                                                                                                        وحمل قوله أنه لغير فائدة وأن ينفذ أحسن ، وليس يوصي الميت بذلك إلا لفائدة ، وهو أعلم بفائدة ذلك ، وقد يريد صرف الأذى عن العبد; لأن كثيرا ما يجري بين العبد وبين أولاد سيده المفاسدة لما يريدون منه من مال سيده ، [ ص: 3548 ] أو يكون عبد سوء ويخشى على ولده منه ، فإن كان الوارث عاصبا فكثيرا ما تجري المفاسدة بين الأقارب فيحتمي لسيده فيهدده متى ما ملكه ، فإن قال : بيعوه ممن أحب للعتق أو من فلان للعتق أنفذ ذلك .

                                                                                                                                                                                        ويختلف في القدر الذي يحط ، هل يحط ثلث قيمته أو يباع بما أعطى ، وإن لم يحمله الثلث ، ولم يجز الورثة عتق ما حمل الثلث ، وهذا الجواب في الوصية بالبيع .

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية