الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        باب [في التشهد في الوصية ، وهل يشهد عليها وهي مختومة ولم يعرف ما فيها؟ وهل للموصي أن يرجع فيما بتله ، وإن علق إنفاذ الوصية بصفة هل تنفذ بغيرها؟]

                                                                                                                                                                                        وقال أنس بن مالك : كانوا يوصون أنه يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله ، وأوصى من ترك من أهله أن يتقوا الله – عز وجل - ، وأن يصلحوا ذات بينهم ، ويطيعوا الله ورسوله إن كانوا مؤمنين ، وأوصاهم بما أوصى به : ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون [البقرة : 132] ، وأوصى إن مات من مرضه ذلك ، وهو قول مالك أن يتشهد في أول الكتب ، وقال مالك فيمن كتب وصية وطبعها ودفعها إلى الشهود ، وقال لهم : اشهدوا علي بما فيها ، فذلك جائز إذا عرفوا أن ذلك بعينه ، وقال أيضا فيمن كتب وصيته وطبع عليها ودفعها إلى نفر وأشهدهم أن ما فيها منه وأمر ألا يفض خاتمه حتى يموت فذلك جائز .

                                                                                                                                                                                        ولا تخلو الوصية من أن يقرها الموصي عند نفسه أو يودعها أو يسلمها إلى البينة لتكون عندهم وهي في كل ذلك مختومة أو غير مختومة ، فإن كانت عنده فأخرجت بعد موته وكانت غير مختومة فإن عرف أنه الكتاب بعينه وليس فيه محو ولا لحق قبلت شهادتهم ، وإن كان فيها محو أو لحق لا يغير ما قبله ولا ما [ ص: 3561 ] بعده أمضيت ، وإن شك هل يغير ما بعده خاصة أو يغير موضعا منها لم ينفذ منها ذلك الموضع خاصة وأنفذ ما سواه .

                                                                                                                                                                                        وأما إن أودعها وجعلها على يدي أمين أنفذت ولم تبطل لما فيها من محو أو لحق; لأن الميت جعله أمينا عليها وهو بمنزلة من قال : صدقوا فلانا فيما يقول إنه وصى به . وإن أسلمها إلى البينة فجعلاها في موضع وأغلق عليها فكذلك . وقال أشهب في كتاب محمد : إن غاب عليها أحدهما فأجوزهم شهادة من كانت عنده ، قال مالك : ولا أدري كيف يشهد الآخرون ، وقال أشهب : يشهدون بمبلغ علمهم ويحملون ما تحملوا .

                                                                                                                                                                                        ولا أرى أن تجوز إلا أن يعلم أنه الكتاب بعينه بعلامة أو بغير ذلك مما يستبينه منه ، وإن كان مختوما عليه وأقره الميت عندهم وأشهدهم على الخاتم جاز أن يشهدوا عليه ، وإن كان يجوز أن يكون غيره لأن هذا من حق الميت وقد وصى أن يمضي بعد موته مع إمكان أن تكون قد زيد فيها وغير الطابع وطبع بمثله ففارق بهذا ما يكون من طابع القاضي وغيره مما يتعلق به حق على غير من طبعه . وقال محمد : إن طبع الميت الوصية ثم أشهدهم عليها فوجد فيها محوا ، فإن كان لا يغير ما قبله ولا ما بعده جازت ، وإن غير شيئا سقط ذلك الشيء . [ ص: 3562 ]

                                                                                                                                                                                        وأرى أن تجوز ، وإن كان فيها ما يغير ذلك الموضع إذا كانت بخط الميت والإصلاح بخطه ، وكذلك إذا كان جميعها بخط كاتب الوصية ، وكان عدلا ، وإن كان غير عدل أو لم يعرف كاتبها أو أخرجها الورثة وهم جائزو الأمر ، لحكم بذلك اللحق إن تضمن زيادة ، ولم يحكم به إن تضمن نسخ بعضها ورجوعه إليهم ، وإن كانوا غير جائزي الأمر لم يحكم باللحق وإن تضمن زيادة .

                                                                                                                                                                                        وكل هذا استحسان ، والقياس أن تمضي على ما اشتملت عليه زيادة أو نقصا أو تغييرا لأن الميت وصى أن يكون الحكم فيها إلى ما تضمنه الطابع مع إمكان أن يغير .

                                                                                                                                                                                        قال محمد : وقال مالك في مريض حضره قوم ، فقالت امرأته : إنه أوصى في بقية ثلثه أن ينفق على بني فلان كل شهر كذا وكذا وهو يسمع ووصيته حاضرة ، وقد كانوا قرؤوها عليه ولم يقع ذلك فيها وأقر بها ثم مات ، فلا يجوز الذي قالت إلا ما يصيب الزوجة منها .

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية