باب في إمامة الجالس
واختلف في إمامة المريض جالسا بالجواز والمنع، واختلف بعد القول بالإجزاء هل يصلي الناس خلفه قياما أو جلوسا، فمنع مالك ذلك مرة وقال: إن نزل به -وهو إمام- أمر حتى صار لا يستطيع أن يصلي إلا وهو جالس استخلف ورجع إلى الصف .
وقال مطرف وابن الماجشون : إن صلى بهم أعاد من ائتم به وإن ذهب الوقت .
وروى الوليد بن مسلم عن مالك أنه أجاز إمامة الجالس وهم قيام ، وأجاز ذلك أشهب في مدونته وقال أحمد بن المعذل: لا ينبغي ذلك; لأنهم إن جلسوا معه لم آمن أن يكون مخالفا لما فعله النبي - صلى الله عليه وسلم - حين ائتم به أبو بكر وائتم الناس بأبي بكر - رضي الله عنه - ، وإن قاموا كان خلافا لما جاء أنهم صلوا معه جلوسا ، [ ص: 315 ] فأحب إلي أن يعتزل الإمامة.
وروي عن أبي هريرة وجابر وأسيد بن حضير وقيس بن قهد - رضي الله عنهم - أنهم قالوا: يصلون خلفه جلوسا. وبه قال أحمد بن حنبل والأوزاعي.
وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في ذلك ثلاثة أحاديث:
أحدها: حديث أنس قال: ركب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرسا، فصرع عنه فجحش شقه الأيمن، فصلى صلاة من الصلوات وهو قاعد، وصلينا وراءه قعودا، ثم قال: " إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا صلى قائما فصلوا قياما ، وإذا صلى جالسا فصلوا جلوسا. . ." الحديث.
والحديث الثاني: حديث عائشة - رضي الله عنها - " أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما ثقل به مرضه قال: مروا أبا بكر فليصل بالناس، ثم وجد من نفسه خفة، فجاء المسجد فجلس إلى جنب أبي بكر، فصلى قاعدا وأبو بكر والناس قياما، فصلى أبو بكر بصلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - والناس بصلاة أبي بكر" .
وفي حديث آخر قالت: " يقتدي أبو بكر بصلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - والناس بصلاة [ ص: 316 ] أبي بكر" ، أخرجه " البخاري ومسلم .
وفي مسلم: قالت عائشة - رضي الله عنها -: " كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي بالناس جالسا وأبو بكر يصلي قائما يقتدي بصلاة النبي - صلى الله عليه وسلم -" .
والثالث: ما روي عنه - عليه السلام - أنه قال: " لا يؤمن أحد بعدي جالسا" ، ولم يثبت وإذا لم يثبت هذا الحديث، وثبت نسخ حديث أنس بحديث عائشة- كان الصواب جواز إمامته، ويصلي الناس خلفه قياما.
واختلف في إمامة المريض للمرضى وأن تجوز أحسن. [ ص: 317 ]


