الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل [فيمن أوصى بالنفقة على رجل بعينه]

                                                                                                                                                                                        فإن أوصى بالنفقة على رجل بعينه ، فإن الوصية على ثلاثة أوجه : إما أن يسمي السنين أو حياته ، أو يطلق الوصية فلا يذكر سنين ولا حياة ، فإن أطلق الوصية ، كان محملها على حياة المنفق عليه .

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا قال : حياته في حد التعمير . فقيل : تسعين سنة . وقيل : ثمانين . وقيل : سبعين . وقيل : مائة ، وهذا إذا كانت الوصية لواحد . [ ص: 3635 ]

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا كانت الوصية لجماعة بعد القول إن الحد تسعون أو مائة ، فقال مالك : ثمانين لكل واحد .

                                                                                                                                                                                        وقال محمد : سبعين; لأن الجماعة يحمل بعضها عن بعض فيموت بعضهم قبل السبعين ، ويتأخر الآخر . والقول بالسبعين في الواحد أحسن . وإن كان الموصى له ابن سبعين ، زيد عليها .

                                                                                                                                                                                        وروي عن مالك أنه قال : إن كان ابن ثمانين عمر تسعين ، وإن كان ابن تسعين ، عمر مائة . والوصية بالنفقة على وجهين : مقيدة مثل أن يقول يعطى كل شهر دينارا ، وكل يوم خبزة ، ومطلقة . فإن كانت مقيدة ، أنفذت حسبما رسمه الميت ، وإن كانت مطلقة ، كانت له نفقة مثله ، فليس ما يعرض للرجل [ ص: 3636 ] المتوسط ، ومن له الهيئة كالمعروف بالبذاذة والسؤال .

                                                                                                                                                                                        وقال مالك في كتاب محمد : يفرض الطعام والإدام ، والماء والحطب والدهن ، والثياب ، ولا أدري ما ثياب الصون .

                                                                                                                                                                                        وقال ابن أبي حازم في كتاب المدنيين : له النفقة بغير كسوة . وهو أقيس; لأن الذي عليه الناس اليوم أن النفقة غير الكسوة ، وإنما يقولون نفقة وكسوة ، ولا يرون أن ذكر النفقة يغني عن ذكر الكسوة ، ولا يدخل عليه في ذلك ، وإن أوصى بدينار كل شهر ، ووصى مع ذلك بوصايا ، وضاق الثلث ، ضرب للموصى له بالنفقة بما وصى له على التعمير .

                                                                                                                                                                                        واختلف فيما يصير له في المحاصة على ثلاثة أقوال : فقال محمد ، وابن نافع في المجموعة : إن صار له نصف وصيته ، أنفق عليه نصف دينار في كل شهر .

                                                                                                                                                                                        وقال مطرف : يعطى كل شهر دينارا .

                                                                                                                                                                                        وقال أصبغ : يدفع إليه ما صار له في الحصاص بتلا; لأن الوصية [ ص: 3637 ] عالت . وأرى أن ينظر في ذلك ، فإن كان قصد الميت أن يعطي ذلك كل شهر لما يعلم من تبذيره ، لم يعجل له ، ودفع إليه دينار كل شهر; لأن الميت قصد أن يوسع عليه ذلك القدر من النفقة ، وإن كان يعلم أن ثلثه يضيق عن جميع الوصايا ، كان آكد ألا ينقص من الدينار ، وإن كان قصد الميت رفق الورثة ليخرجوه من غلات ، ولئلا يبيعوا في ذلك الرقاب ، أو ما أشبه ذلك ، عجل للموصى له ما صار في المحاصة . وإن أشكل الأمر ولم يعلم قصده ، لم يعجل ، ويحمل على الظاهر أن الميت لم يرد تعجيل ذلك ، وفي الباب الذي بعد : إذا أوصى بدينار من غلة حائطه بقية ما يتعلق بهذا المعنى .

                                                                                                                                                                                        وقال محمد : التعمير والنفقة من يوم الموت .

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا وقف ذلك لينفق عليه فمات قبل انقضاء التعمير ، وقبل أن ينفذ ما صار له في المحاصة ، فقال مطرف : إذا صار له في المحاصة خمسون دينارا ، وكان أوصى له بدينار في كل شهر فأنفق عشرة ، رجعت الأربعون للموصى لهم ، فإن استكملوا وصاياهم ، وفضل شيء رجع إلى الورثة فاقتسموه على قدر مواريثهم ، وانتقاض القسمة ها هنا والرجوع إلى ما كشف الغيب حسن; لأن المحاصة كانت بما عمر على الكمال ، ولم ينقص منها شيء لمكان [ ص: 3638 ] الغرر ، ولا أرى للورثة في الفاضل شيئا; لأنهم لم يجيزوا وصية الميت ، وخرجوا من ثلثه فنماء ذلك الثلث ، ونقصانه ومصيبته للموصى لهم وعليهم .

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية