الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل [فيما أراد المخدم أن يبيع الخدمة أو يكريها]

                                                                                                                                                                                        وإن أراد المخدم أن يبيع الخدمة من أجنبي نظرت هل الخدمة مؤقتة بأجل ، أو حياة المخدم ، أو حياة العبد ، فإن كانت مؤقتة بأجل حياة المخدم ، أو حياة العبد ، جاز أن يبيع جميع تلك الخدمة ما لم يبعد الأجل . وأجاز ابن القاسم إذا كان الأجل عشر سنين أن يكريه بالنقد في العشر سنين; لأنه يقول : إن مات المخدم قبل انقضاء العشر سنين ، خدم الورثة بقية الأمد ، ولا يجوز عند ابن نافع; لأنه قال : إن مات المخدم بعد سنة أو سنتين ، رجع العبد إلى سيده . وقال ابن القاسم : إن كانت الخدمة حياة المخدم أجره السنة ، والسنتين ، والأمد القريب; لأن الغرر فيه من وجهين : حياة العبد ، وحياة المخدم . وإن كانت الخدمة حياة العبد ، جاز على أصل ابن القاسم أن يؤاجره عشر سنين; لأن الغرر فيه من وجه واحد ، وهي حياة العبد فأشبه لو آجر عبد نفسه تلك المدة; لأن الغرر من حياة العبد وحده . [ ص: 3669 ]

                                                                                                                                                                                        وقد قال في الدار يوصى بسكناها : إنه لا يكريها ، إلا الأمد القريب السنتين ونحوها .

                                                                                                                                                                                        وقال ابن ميسر : لا بأس أن يكري الثلاث والأربع . قال : ولو كرهت هذا القدر ، أو أكثر منه لكرهت أن يؤاجر عبده سنتين ، والحال فيهما سواء ولا بأس بالنقد فيه ، وهذا صحيح; لأن الغرر في الدار من ناحية واحدة وهي حياة الموصى له; لأنها مأمونة فأشبه عبد نفسه أن الغرر فيه من ناحية واحدة وهي حياة العبد وحده ، ولو أراد الموصى له أن يؤاجر الدار والعبد عشر سنين بغير نقد لجاز على القولين جميعا .

                                                                                                                                                                                        وأجاز ابن القاسم للموصى له أن يؤاجر العبد ، وإن كان من عبيد الحضانة إذا كان الموصى له ليس يحتاج إلى حضانة ، أو كان يحتاج إلى حضانة ، والعبد ليس من عبيد الحضانة ، فإن اجتمع الوجهان فكان من عبيد الحضانة ، والموصى له يحتاج إلى حضانة ، لم يؤاجره .

                                                                                                                                                                                        وقال أشهب : يجوز أن يؤاجر في مثل تلك الحضانة ، والأول أحسن; لأن [ ص: 3670 ] الموصي بمثل ذلك يكره أن يؤاجر آخر عبده ، وكذلك أرى في الرجل الذي له القدر يوصي بأن يخدم عبده فلانا أو يخدمه إياه من غير وصية سنين معلومة ، فمعلوم أنه لا يريد أن يكون عبده في الإجارة عند الناس ، وإنما يريد بر صديقه أو قريبه بذلك ، وكذلك دابة ركوبه يعيره ركوبها شهرا ، فليس له أن يؤاجرها ، وكذلك دار سكناه ، وإلى هذا ذهب ابن نافع فقال في كتاب المدنيين في من وصى فقال : يخدم عبدي فلانا سنة ، فمات في بعضها : إنه يرجع إلى ورثة الموصي ، ولا شيء لورثة الموصى له فيه ; لأنه إنما يريد أن يخدم عين ذلك الرجل ، ولم يرد أن يوله تلك الخدمة ، وكذلك الرجل يسكن صهره الدار سنين ، ثم يفارق بنته في بعضها ، أو تموت الابنة فلا شيء له من بقية المدة; لأنه إنما يريد رفقه ومجاملته لتكون ابنته في تلك الدار وألا يخرجها إلى مساكن الناس أو يبعد بها عنه .

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية