الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        باب فيمن أوصى لرجل بوصيتين

                                                                                                                                                                                        ومن أوصى لرجل بوصيتين فإنه لا يخلو أن يكونا معينتين أو إحداهما معينة أو غير معينتين بتسمية أو بأجزاء ، أو إحداهما بتسمية والأخرى بجزء ، فإن كانتا معينتين ، فقال لفلان : ناصح ، ثم قال في تلك الوصية أو غيرها له : مرزوق أو عين دارا ثم عبدا ثم ثوبا ، كان له الوصيتان إذا حملهما الثلث أو ما حمل منهما ، وكذلك إذا كان معينا وغير معين ، فقال له : عبدي فلان ، ثم قال : عبد من عبيدي ، فله الوصيتان جميعا .

                                                                                                                                                                                        قال أشهب في المجموعة : له العبدان . يريد المعين وعبد مما سواه ، وهذا صواب إذا كانتا بكتاب واحد أو نسقهما في كلام بغير كتاب . وإن لم يكن نسقا وصى له أمس ثم اليوم بغير كتاب ففيها نظر ، فإن هو قدم النكرة ثم عين كان أشكل هل أراد بالتعيين بيان ما أبهم أو وصية ثانية؟ وإن كانا من جنسين فقال : له عبدي فلان ، ثم قال في تلك الوصية أو في غيرها : له دار من [ ص: 3677 ] دوري ، كان له الوصيتان . وكذلك إن كانتا غير معينتين وهما من جنسين فقال : له عبد من عبيدي ، ودار من دياري ، أو ثوب من ثيابي ، أو عشرة دنانير ، أو عشرة أقفزة قمحا ، كان له الوصيتان ، وسواء كان ذلك كلاما بغير كتاب ، أو بكتاب واحد ، أو بكتابين .

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا كانتا من جنس واحد ، فقال : له عشرون دينارا ، ثم قال : له عشرة ، أو قال عشرة ثم قال : له عشرون على ثلاثة أقوال : فقال مالك وابن القاسم في المدونة : ليس له سوى عشرين وهو أكثر الوصيتين ، وسواء تقدمت الوصية بها أو تأخرت .

                                                                                                                                                                                        وقال علي بن زياد عن مالك : إن أوصى بعشرة ثم بعشرين ، كان له عشرون ، وإن أوصى بعشرين ثم عشرة ، كان له ثلاثون .

                                                                                                                                                                                        وقال مطرف في كتاب ابن حبيب : وسواء كان ذلك في كتاب أو كتابين .

                                                                                                                                                                                        وقال ابن الماجشون : إن كانتا في كتابين ، كان له أكثر الوصيتين ، كانت [ ص: 3678 ] هي الأولى أو الآخرة مثل قول ابن القاسم ، وإن كانتا في كتاب فقدم الأكثر كانتا له ، وإن تأخر الأكثر كان له بانفراده مثل أن يكون بين الوصيتين وصايا . قال في أولها : لزيد كذا ، وقال في آخرها : لزيد كذا . وكان الذي بينهما ليس بوصايا ، وإنما قال في أولها : لزيد كذا ، ثم قال : انظروا فلانا ، فإنه فعل كذا ، ثم قال : ولزيد عشرون فله ثلاثون .

                                                                                                                                                                                        واختلف أيضا إذا استوى العددان قال : لزيد عشرة ، ثم وصى له بعشرة ، فقال محمد : ليس له إلا عشرة واحدة .

                                                                                                                                                                                        وقال مطرف وابن الماجشون في كتاب ابن حبيب : له الوصيتان ، كانتا بكتاب أو بكتابين ، وأرى إذا كان كلاما نسقا أو بكتاب أن يأخذهما ، وسواء كانت الآخرة الأقل أو الأكثر ، وإن لم تكونا نسقا أعطي الأخيرة منهما إذا كانت أكثرهما; لأن الشأن أن الإنسان يوصي بالشيء ثم يستقله فينقله إلى أكثر ، وإن كانت الأولى أكثر أخذها وحملت الثانية على أنها زيادة إلى الأولى ، وإن استوى العددان وصى له بعشرة ثم بعشرة بكتاب واحد [ ص: 3679 ] كان له عشرون ولا يحمل على أنه أراد نسخ أول الوصية بآخرها وهي مثلها إذ لا فائدة لذلك إلا الزيادة .

                                                                                                                                                                                        وإن كانتا في كتابين نظر إلى الثانية ، فإن كان فيها زيادات لأقوام حمل عليه في هذه مثل تلك ، وإن كان فيها نسخ لبعض من في الأول حمل عليه في الثانية أنه أراد أن يبين من أثبت ولم ينسخ ، وكذلك إذا كانتا بجنس واحد من غير العين بعبيد أو ديار أو ثياب ، فأوصى بعبد ولم يعينه ثم بعشرة أعبد ، أو بعشرة أعبد ثم بعبد ، أو بثوب ثم بعشرة أثواب ، أو بعشرة أثواب ثم بثوب ، فعلى قول ابن القاسم يأخذ أكثر الوصيتين ، تقدمت أو تأخرت ، ويجري فيها الخلاف المتقدم في الدنانير عن مالك ، ومطرف ، وابن الماجشون .

                                                                                                                                                                                        وكذلك إذا كانت الوصيتان بجزئين ، فعلى ما تقدم في الدنانير فإن استوى الجزءان كان له على قول محمد أحدهما ، وعلى ما عند ابن حبيب جميعهما ، وإن اختلف الجزءان وصى له بثلث ماله ثم بسدسه ، أو بسدسه ثم بثلثه ، كان له على أحد قولي مالك الثلث وحده ، تقدم أو تأخر ، وعلى القول الآخر يكون له الثلث ، إن تأخر والنصف إن تقدم الوصية بالثلث وأجازت الورثة ، ويدخل في ذلك قول مطرف وابن الماجشون ، وهل كانتا بكتاب أو بكتابين؟ وكذلك إذا كانتا بجزء وتسمية ، والتركة من جنس واحدة دنانير ، أو ثياب ، أو عبيد ، أو ديار . [ ص: 3680 ]

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا كانت التركة عينا أو ثيابا أو عبيدا أو ديارا ، فقال لفلان : عشرة دنانير ، ثم قال : له ثلث مالي . فقيل : له ثلث ماله سوى العين . ويكون له من العين الأكثر حسبما تقدم إذا أوصى بعشرة وعشرين ، فإن كان ثلث العين الأكثر أخذه ، وإن كانت العشرة أكثر أخذها إن أجازت الورثة ، وقيل : له العشرة وثلث التركة قبل إخراج العشرة إن أجاز الورثة ، بمنزلة لو كانت الوصيتان لرجلين ، وكذلك إذا قال : له دار من دوري أو عبد من عبيدي ، ثم قال : له ثلث مالي كان على الخلاف المتقدم إذا وصى بدنانير ثم بجزء .

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا أوصى بدنانير ثم بدراهم ، فقال محمد : يأخذهما .

                                                                                                                                                                                        وقال ابن حبيب : هما كالشيء الواحد بمنزلة لو كانتا كلاهما بدنانير أو بدراهم .

                                                                                                                                                                                        قال محمد : فإن كانت دراهم وسبائك فضة أو قمحا أو شعيرا ، أعطي جميعها . [ ص: 3681 ]

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية