باب فيمن ملك عبده أن يعتق نفسه فقال : اخترت نفسي أو أنا أدخل الدار أو أنا أذهب 
ومن قال لعبده : أنت حر إن شئت  ، فقال : اخترت نفسي وقال : أردت العتق صدق . 
واختلف إذا قال : لم أرد العتق ، فقال  ابن القاسم   : يصدق ولا يكون حرا . وقال  أشهب   : لا يصدق ، وإن قال : أنا أدخل الدار ثم قال : لم أرد بذلك العتق صدق ، واختلف إذا قال : أردت به العتق ، فقال  ابن القاسم   : لا يصدق ، وقال  أشهب   : يصدق . 
وقول  أشهب  إذا قال : اخترت نفسي أحسن; لأن المراد بذلك العتق ، ومن اختار العتق فقد اختار نفسه ، ومن اختار نفسه فقد اختار العتق . وقول  ابن القاسم  إذا قال : أنا أدخل الدار أحسن; لأن ذلك ليس من حروف العتق ، ولا مما يراد به العتق ، ولو قال السيد لعبده : ادخل الدار ، وقال : أردت به العتق صدق; لأنه مقر على نفسه بالعتق ، ولا يصدق العبد; لأنه مدع في حق غيره ، فلا يصدق إذا أتى بما لا يشبه . وإن قال العبد : أنا أذهب ، ثم قال : لم أرد بذلك العتق صدق ، وإن قال : أردت العتق صدق ، قال  ابن القاسم   : لأنه من حروف العتق قاله فيمن ملك رجلا عتق خادمه فقال لها : اذهبي ، ولا فرق  [ ص: 3751 ] بين أن يوكلها- على عتق نفسها أو يوكل أجنبيا ، فتقول : أنا أذهب أو يقول لها : اذهبي ، ولو قالت : أنا أذهب بنفسي كان ذلك أبين ، ولو قال الوكيل : ادخلي الدار ثم قال : أردت بذلك العتق لم يصدق على السيد على قول  ابن القاسم  ، كما لم يصدق العبد على السيد . 
واختلف إذا لم يرد بذلك العتق ، وأراد أن يقضي بعد ذلك بالعتق ، فقال  ابن القاسم   : ليس ذلك له ، قال : بخلاف السكوت; لأن هذا حين أجاب بذلك اللفظ تارك لما جعل له ، وفي السكوت هو على أمره ، وقال  أشهب  في كتاب محمد   : ذلك له ما دام في المجلس ، قال : وقوله الأول كالسكوت ولا شيء له بعد التفرق ، وقد قال  مالك  في المخيرة تختار واحدة : ليس ذلك لها ، ولها أن تختار ثلاثا . انتهى قوله . 
قال الشيخ - رضي الله عنه - : وقول  ابن القاسم   : إن ذلك ترك بخلاف السكوت ليس ببين ، ويحتمل أن يريد : ادخل الدار حتى أرتئي رأيا وأنظر ، فإن ادعى ذلك صدق . وكذلك إذا قال : أردت بذلك العتق فلم يصدق فإن له أن يقضي . 
وقال  ابن القاسم   : إذا قال السيد : أردت بقولي : ادخل الدار العتق  [ ص: 3752 ] صدق وكان حرا . وقال  أشهب  في كتاب محمد   : إن أراد به العتق أو الطلاق لم يلزمه عتق ولا طلاق ، وإن أراد : إذا قلت هذا ، فأنت حر أو طالق لزمه . وفرق  أشهب  بين ذلك; لأن الأول أراد العتق والطلاق باللفظ ، وليس ذلك من حروف العتق ولا من حروف الطلاق ، والثاني : أراد أن يلتزم الطلاق بالنية عند عدم النطق بذلك ، ولو لم يوقعه باللفظ ، والعتق والطلاق في هذا على أربعة أوجه ، يلزم في وجه وهو ما اجتمع فيه ثلاثة شروط ، نية ، ولفظ ، وأن يكون ذلك اللفظ من حروف العتق والطلاق أو من كنايتهما . 
واختلف إذا وقع ذلك بالنية من غير نطق ، أو نطق بالعتق والطلاق من غير نية غلطا أو سهوا أو اجتمع فيه نية ولفظ بغير حروف الطلاق والعتق ، كقوله : ادخل الدار ، يريد بذلك العتق أو الطلاق ، وأضعفهما إذا كان نطقا بغير نية ، قال الله -عز وجل- : وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم وكان الله غفورا رحيما   [الأحزاب : 5] ، وقال سبحانه وتعالى : ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا   [البقرة : 286] .  [ ص: 3753 ] 
"قال : نعم" أخرجه  مسلم  وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - :  "رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه"  . أخرجه  البخاري   ومسلم   . فإذا لم يلزم الإكراه لم يلزم ما كان عن خطأ أو نسيان . 
				
						
						
