الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        باب في العبد بين الرجلين يعتق أحدهما نصيبه إلى أجل ، وهل يستكمل نصيب الشريك جبرا أو لا يستكمل حتى يتم الأجل؟

                                                                                                                                                                                        وقال ابن القاسم في المدونة : في عبد بين رجلين أعتق أحدهما نصيبه إلى أجل يقوم عليه الآن; لأن الناس قد اختلفوا في المدبر ، وقد أفتى مالك في المدبر أنه يقوم عليه نصيب صاحبه بدين حكما كالعتق ، وقاله مالك والمغيرة وسحنون ، قال ابن سحنون : وإن لم يكن يوجد ذلك له الآن شيء كان للمتمسك بالرق أن يبيع ويصنع بنصيبه ما شاء ، ولا يراعى حالة عبده من اليسر والعسر عند محل الأجل ، وقال أشهب : إذا كان الأجل سنة ، فكما قال مالك والمغيرة ، وإن طال الأجل فليؤخر التقويم إلى حلول الأجل ، قال : ولو قال قائل : لا يقوم إلا إلى الأجل في الوجهين جميعا لم أعبه . يريد : الأجل القريب والبعيد .

                                                                                                                                                                                        وقال مطرف عن مالك في كتاب ابن حبيب : يخير الذي لم يعتق فإن شاء قوم على شريكه المعتق حصته ، وإن شاء تماسك بنصيبه إلى حلول الأجل ، [ ص: 3799 ] فإذا حل الأجل كان كمن ابتدأ عتقا ساعتئذ وعمل فيه لسنة التقويم . قال : وإنما خير الذي لم يعتق; لأن الشريك قد يريد أن يختص بالعبد وحده ويأبى شريكه بيعه منه فيحتال فيعتق نصيبه إلى أجل ويتعجل بذلك ما قد منعه منه شريكه ، فإذا جاز ذلك له في السنة فعله في أبعد . وبه قال عبد الملك في المبسوط : إن المتمسك بالرق بالخيار بين أن يقوم عليه الساعة ، ويأخذ القيمة للضرر الذي أدخل عليه ويكون العبد بيد المعتق معتقا كله إلى سنة بالحكم ، وإن شاء تماسك ، وقال : لا أخرج من عبدي إلا إلى عتق صريح غير أنه لا يبيع نصيبه إلى سنة إلا من شريكه المعتق; لأن بيعه من غيره غرر ، وإن أتت السنة وهو موسر أخذ قيمة ما اشترى حينئذ ، وإن كان معسرا صح له ذلك النصف فمنع البيع ، فإن أتت السنة وهو موسر أعتق عليه وإن كان معسرا لم يعتق ، قيل له فإن أراد الذي لم يعتق أن يقوم الآن فلم يوجد له شيء ثم جاءت السنة ، هل تعاد القيمة؟ قال : نعم تعاد القيمة ، ويفتش عن ماله; لأن يومئذ وجبت القيمة ، وإنما كانت القيمة أولا نظرا للمتمسك بالرق متى اختارها ، والقول إن السيد بالخيار أحسن ، وقد أبان مالك في كتاب ابن حبيب وعبد الملك في المبسوط حجة السيد في ذلك ، ولو أعتق الأول إلى سنة والثاني إلى ستة أشهر لم يقوم على واحد منهما . [ ص: 3800 ]

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا أعتق الثاني إلى سنتين فعلى القول إن التقويم الآن حكما من غير خيار في ذلك إن لم يعتق ، يقال للثاني : إما أن تسقط السنة الثانية ، وتجعل عتقك إلى أجل صاحبك وإلا رد عتقك ، وعلى القول إن الثاني بالخيار بين تعجيل التقويم وتأخيره إلى السنة ، لا يتعرض له الآن ويؤخر الأمر إلى محل السنة ، فإن جاءت السنة والأول معسر مضى عتق الثاني إلى السنتين ، وإن كان موسرا خير حينئذ بين أن يسقط السنة أو يقوم على الأول ، وإن أعتق الأول إلى سنة والثاني إلى موت فلان وقف الأمر ، فإن مات فلان أولا أعتق نصيب الثاني وبقي عتق الأول إلى تمام السنة وإن انقضت السنة قبل موت فلان قيل للثاني : إما أن تعجل عتق نصيبك وإما أن تقوم على الأول ، ولو أعتق الأول إلى موت فلان والثاني إلى سنة لمضى العتقان الآن على ما شرط ثم ينظر ، فإن مات فلان قبل انقضاء السنة قيل للثاني : إما أن تعجل عتق نصيبك وإما أن تقوم ، فإن انقضت السنة قبل أن أعتق نصيب الثاني وبقي الأول إلى موت فلان ، وإنما يراعى في هذا يسر الأول وعسره عند نفاد العتق في نصيبه قبل نفاد عتق الثاني ، ولا تراعى حالة المعتق يوم أعتق ، وإن أعتق الأول إلى موت فلان والثاني إلى موت رجل آخر ، فإن مات فلان الثاني أعتق نصيب المشترط بموته وبقي الأول حتى يموت من شرط العتق بموته ، وإن مات فلان الأول أعتق نصيب الأول ، وقيل للثاني : إما أن تعجل عتق نصيبك وإما أن تقوم على الأول ، وإن أعتق أحدهما إلى موت نفسه والآخر إلى موت فلان ، فمات فلان أولا أعتق نصيب من علق العتق بموته ، ثم ينظر ، فإن كان هو المشترط العتق بموته [ ص: 3801 ] أولا قيل للآخر : إما أن تعجل عتق نصيبك وإما قومت على شريكك ، وإن كان التدبير قبل وحمل الثلث ذلك النصيب أعتق وبقي نصيب الآخر إلى الموت ; لأنه لا يقوم على ميت ، وإن كان على الميت دين يرقه قدم نصيب الميت على الحي ، وإن لم يكن عليه دين ولم يحمله الثلث أعتق منه ما حمل الثلث ولم تستكمل بقيته على الآخر لأنه أعتق من سبق فيه العتق من غيره ، وإن مات فلان قبل وكان التدبير قبل ، أعتق نصيب من علق العتق بموته .

                                                                                                                                                                                        ثم يختلف في نصيب المدبر هل ينقض تدبيره ويستكمل على المعتق لموت فلان أم لا؟ لأن العتق آكد من التدبير ، وإن أعتق كل واحد منهما لموت نفسه كان تدبيرا منهما ، وذلك مذكور في كتاب التدبير .

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية