الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل [في صفات المثلة]

                                                                                                                                                                                        والمثلة في صفاتها على خمسة أوجه :

                                                                                                                                                                                        فإن كانت إزالة عضو أو إفساده أو أنزل به شيئا يشوه به خلقه وساءت [ ص: 3851 ] منظرته ، وكان ذلك مما لا يزول ولا يعود إلى هيئته أعتق عليه . وإن كان الشين يسيرا أو كثيرا ويعود العبد إلى هيئته أو يبقى من الشين الشيء اليسير لم يعتق ، وهذا عقد هذا القسم فإن أبان من يده أنملة فما فوقها أعتق عليه ، وإن أبطل أنملة أو أصبعا ولم يبنها لم يعتق عليه ، ولأنه لا يشين به كبير شين إذا لم يبن ، ولو أبطل كفه فما فوق أعتق .

                                                                                                                                                                                        وقال ابن حبيب : إذا أذهب ظفره فما فوقه يعتق . وفيه نظر ، ولو قلع أسنانه أو أبردها فأحفاها أعتق عليه .

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا قلع سنا أو سنين فقال مالك في كتاب محمد : يعتق عليه . وقال أصبغ في كتاب ابن حبيب : لا يعتق إلا في جل الأسنان والأضراس .

                                                                                                                                                                                        قال الشيخ - رضي الله عنه - : وأستحسن أن يفرق فإن قلع سنين من الثنايا أو الرباعيات أن يعتق; لأن شينهما ظاهر ، ولا يعتق بثنية واحدة أو رباعية; لأنه لا يقع بذلك كبير شين . [ ص: 3852 ]

                                                                                                                                                                                        وأما الأرحاء فلا يعتق إن أزال له سنين; لأن شينهما غير ظاهر ، وإن أزال ما أفسد عليه استعمال الأكل وطحنه أعتق ، وإن جدع طرف أنفه أعتق; لأن ذهاب اليسير منه يقع به شين كبير . وقال مطرف وابن الماجشون : وإن خرم أنفه أعتق .

                                                                                                                                                                                        وقال مالك في كتاب محمد : إن قطع طرف أذنه أو بعض جسده أعتق عليه .

                                                                                                                                                                                        قال الشيخ : يريد إذا قطع ما يقع به شين بين فليس طرف الأنف كطرف الأذن وبضعة من جسده ، وذلك يختلف فالقليل إذا كان في الوجه شين ، وليس كذلك إذا كان تحت الثياب .

                                                                                                                                                                                        وقال ابن وهب وأصبغ : إذا وسم جبهته وكتب فيه آبق يعتق ، ولو فعل ذلك في ذراعيه لم يعتق ، وهذا إذا كان وسما بنار .

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا كان وسم جبهته بمداد وإبرة وكتب فيه آبق ، فقال ابن وهب في العتبية : يعتق . وقال أشهب : لا يعتق . ورآه خفيفا ، وقد ذكر أنه ربما عمل له ما يزيله . [ ص: 3853 ]

                                                                                                                                                                                        وإن حلق لحية عبده أو رأس جاريته والعبد وغد والجارية ليست برائعة لم يعتقا .

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا كان العبد التاجر والجارية الفارهة ، فقال ابن الماجشون في كتاب ابن حبيب : يعتقان . وقال مطرف في الثمانية : لا يعتقان . والأول أحسن إذا كان ذلك شينا لا يعود بعده لهيئته ، وإن كان يعود لم يعتقا ، ومنع السيد من أن يخرجه يتصرف عليه حتى يعود لهيئته .

                                                                                                                                                                                        وقد تقدم ذكر الجباب وكي الفرج وفيه جاء الأثر ، ولو كان كي الفرج الشيء الخفيف لم يعتق به ، ولا يعتق العبد بشيء من الجراح إذا لم يذهب له بذلك عضو ، وقال ابن المواز عن مالك في امرأة عضت لحم جاريتها وأثرت بذلك أثرا شديدا : تباع عليها ولا تعتق .

                                                                                                                                                                                        وقال أشهب : إذا نيبتها في عضتها وذلك فلتة لم تبع ، وإن لم تكن فلتة بيعت ، وإن قطعت بذلك شيئا من جسدها أعتقت . [ ص: 3854 ]

                                                                                                                                                                                        وقال مالك : إذا ضرب عبده مائتي سوط أو ثلاثمائة سوط وبلغ ذلك منه لم يعتق إلا أن يبلغ الضرب منه ما يكون مثلة بينة شديدة من ذهاب لحمه ، فرب ضرب يذهب اللحم حتى يبلغ العظام فيصير جلدا على عظم يتآكل ، فإذا بلغ ذلك حتى يصير مثلة عند الناس أعتق . وكل موضع لا يعتق فيه العبد فإن العقوبة لا ترفع بالضرب والسجن على قدر فعله وما يرى أن فيه زجرا لغيره ، وأما البيع فإن كان ذلك فلتة منه لم يبع وإلا بيع ، فإذا كان العتق كان هو العقوبة إلا أن يرى لعظيم ما فعل أو لما يعلم من سوء حاله وتحامله أن تزاد عقوبته في جسمه بالضرب أو بالسجن فيفعل ، ولابن القاسم وأشهب في كتاب محمد العتق والعقوبة معا .

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية