الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل [في أوجه الكتاب]

                                                                                                                                                                                        والكتابة على أربعة أوجه : ندب وإباحة ، مباحة من وجه ومندوب إليها من وجه ، ومكروهة ، وممنوعة وذلك راجع إلى حال العبد من الدين والقوة على الأداء والوجه الذي يوفي منه .

                                                                                                                                                                                        فإن كان العبد معروفا بالدين ولا يعرف بسوء ، والكتابة على مثل الخراج أو يزيد يسيرا والسعاية من وجه جائز ، كانت ندبا ، لما تضمنت من العتق; لأنه مما يتقرب به إلى الله -عز وجل- .

                                                                                                                                                                                        وإن كانت على أكثر من الخراج بالشيء الكثير كانت رخصة ، وإباحة من هذا الوجه ، لما تضمنت من الغرر ، لإمكان أن يعجز عند آخر نجومه فيذهب سعيه باطلا ، وهذا محظور في البيع أن يبقى المبيع وما ينقد فيه من الثمن [ ص: 3961 ] تارة في يد البائع ، إلا على قول من قال إنه يعتق منه بقدر ما أدى .

                                                                                                                                                                                        وندبا لما تضمنت من العتاقة; لأنه إذا سقط المنع من وجه الغرر ثبت الندب لأجل العتق .

                                                                                                                                                                                        وإن كان العبد معروفا بالإيذاء والشر كانت مكروهة ، لقوله سبحانه : إن علمتم فيهم خيرا [النور : 33] أو لأن كتابة من هذه صفته وعتقه تسليط على الناس ، وبقاؤه في الرق أمنع لشره ، وإن كانت سعايته من غصب أو سرقة أو عمل بالربا أو كانت أمة تكسب من فرجها كانت ممنوعة .

                                                                                                                                                                                        وأجاز مالك كتابة من لا حرفة له من الرجال ، وقال ابن القاسم : يجوز ، وإن كان يسأل الناس .

                                                                                                                                                                                        وكره مالك كتابة الأمة التي لا حرفة لها ، وقال الشيخ أبو الحسن - رضي الله عنه - ، وقال أشهب : يفسخ إلا أن تفوت بالأداء .

                                                                                                                                                                                        واختلف في كتابة الصغير ، فذكر ابن القصار عن مالك قولين : الجواز والمنع ، وأجازه ابن القاسم ، وقال أشهب في كتاب محمد : لا يجوز ، ويفسخ إلا أن تفوت بالأداء ، أو يكون له ما يؤدي منه ، فيعجز فيؤخذ منه [ ص: 3962 ] ويعتق ، قال : وكذلك الجارية غير ذات الصنعة ، وهذا أحسن ، ولا يكاتب اليوم من لا حرفة له من رجل أو امرأة أو صبي لأن الغالب أنه يتغير الأمر في ذلك ، ولا يعترض هذا ببريرة; لأنهم كانوا أحسن دينا ، وكانوا على حال العرب في العطايا والهبات .

                                                                                                                                                                                        والقول بأن الخير : الدين ، أحسن ، لقول الله -عز وجل- : إن علمتم فيهم خيرا [النور : 33] ولو كان المراد : المال ، لقال : إن علمتم لهم ، يقال : في فلان خير ، إذا أريد به الدين ، وله خير ، إذا أريد به المال ، وإن كان يجوز بدل حروف الجر بعضها من بعض ، فإن ذلك مجاز ، وإنما يحمل اللفظ على حقيقته ، وعلى ما وضع له إلا أن يقوم دليل المجاز ، ولا يختلف أن من حق السيد القدرة على الأداء .

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية