الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        باب في الدعوى في الكتابة

                                                                                                                                                                                        اختلاف المكاتب وسيده في ستة أوجه:

                                                                                                                                                                                        أحدها: أن يختلفا في القدر فيقول السيد مائة، ويقول العبد خمسين.

                                                                                                                                                                                        والثاني: في جنسه، فيقول هذا عين، ويقول الآخر: ثياب.

                                                                                                                                                                                        والثالث: أن يختلفا هل كانت على الحلول أو منجمة.

                                                                                                                                                                                        والرابع: أن يتفقا أنها منجمة، ويختلفا في حلولها.

                                                                                                                                                                                        والخامس: القطاعة، يقاطعه ثم يختلفان في مثل ذلك الوجه من قدرها أو جنسها أو حلولها، وتكون القطاعة على أنه لا يكون حرا إلا بأداء ما قاطعه عليه.

                                                                                                                                                                                        والسادس: أن يعجل له عتقه ثم يختلفا فيما قاطعه وعجل له عتقه عليه.

                                                                                                                                                                                        فإن اختلفا في قدر الكتابة، فقال السيد: مائة، وقال العبد: خمسون، فقال ابن القاسم: الكتابة فوت بمنزلة ما............. [ ص: 4011 ]

                                                                                                                                                                                        لو اشتراه عبدا فأعتقه أو كاتبه أو دبره، وقال محمد بن عبد الحكم: اختلف في ذلك ابن القاسم وأشهب، يريد: أن أشهب يقول: القول قول السيد، وقال محمد: والحجة لأشهب أنه يقول: مملوكي، فلا يخرج إلى الكتابة إلا بما أقر لك به، كالبيع يختلفان فيه، فالقول قول البائع، والمبتاع مخير.

                                                                                                                                                                                        قال الشيخ - رضي الله عنه: وقد اختلف أيضا ابن القاسم وأشهب في مثل هذا إذا اشترط السيد الولد أو اشترط أن يطأها ما دامت في الكتابة، فقال ابن القاسم: الكتابة فوت، والشرط باطل، وقال أشهب: ليس بفوت، ويفسخ ما لم يؤد نجما، وقد تقدم الاختلاف في مثل ذلك، وكذلك إذا اختلفا في قدر الكتابة، على قوله يتحالفان ويتفاسخان ما لم يؤد نجما، وإن أديا نجما تحالفا ورجع إلى كتابة المثل ما لم تكن أكثر مما ادعاه السيد فلا يزاد، أو أقل مما قاله العبد فلا ينقص، وهذا أيضا أصل أشهب في البيع مع فوات السلعة أنهما يتحالفان ويتفاسخان وترد القيمة ما لم تكن أكثر مما ادعى البائع، أو أقل مما قاله المشتري، وكل هذا إذا أتيا جميعا بما يشبه، وإن أتى أحدهما بما يشبه كان القول قول من أتى بما يشبه مع يمينه من سيد أو عبد، وسواء اختلفا [ ص: 4012 ] قبل أداء النجم أو بعده، وكذلك إذا اختلفا في جنس الكتابة، فقال أحدهما: ثياب كذا، وقال الآخر غيرها أو شيئا مما يكال أو يوزن، فعلى قول ابن القاسم: الكتابة فوت يتحالفان ويكون على كتابة مثله من العين، وإن حلف أحدهما ونكل الآخر كان القول قول الحالف، ويدفع الصنف الذي حلف عليه، وإن قال أحدهما: دنانير وقال الآخر دراهم، وكانت في القدر سواء أخذ ذلك من المكاتب، واشترى به ما قال السيد، ولم يتحالفا وإن اختلفا في القدر فيهما وعاد الجواب إلى ما تقدم في أول الفصل.

                                                                                                                                                                                        وإن قال أحدهما عينا، وقال الآخر عرضا كان القول قول من ادعى العين، إلا أن يأتي في قدره بما لا يشبه.

                                                                                                                                                                                        وإن اتفقا في القدر والجنس واختلفا هل هي حالة أو منجمة كان القول قول العبد أنها منجمة ما لم يأت من كثرة النجوم بما لا يشبه، مثل أن يقول عشرين نجما في عشرين سنة وما أشبه ذلك، وإن اتفقا في التأجيل واختلفا في حلوله كان القول قول المكاتب، وإن اختلفا في القطاعة، فقال السيد: على الحلول، وقال العبد على النجوم، كان القول قول السيد وهو قول أصبغ في كتاب ابن حبيب، ومحمل قوله فيما إذا كانت القطاعة على أقل من الكتابة [ ص: 4013 ] تكون الكتابة مائة دينار، والقطاعة خمسون أو على دراهم أو عروض هي أقل من الكتابة، وإن كانت مثل قدر الدنانير أو أكثر كان القول قول العبد: أنك فسخت الكتابة في قدرها إلى مثل ذلك الأجل الأول أو دونه أو أكثر منه إذا أتى بما يشبه إذا كان قد عجل له العتق، وإن لم يعجل العتق تحالفا وتفاسخا وعاد إلى الكتابة حسب ما كانت، وإن قال السيد: قاطعتك على كذا وكذا ثوبا، وقال العبد: على جنس آخر أو على مكيل أو موزون، تحالفا وتفاسخا القطاعة، وعاد إلى أصل الكتابة يؤديها العبد حسب ما كان عليه قبل القطاعة، وهذا إذا لم يكن عجل له العتق، فإن كان عجل له العتق ثم اختلفا كان القول قول العبد في ذلك. [ ص: 4014 ]

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية