فصل [في الوضوء]
فرض، وفضيلة، وممنوع تارة، وتارة مستحب. الوضوء في أعداده على ثلاثة أقسام:
فالفرض واحدة، والفضيلة اثنتان، تمام الثلاثة، والممنوع الرابعة إذا أتى بها عقيب الثالثة أو بعد ذلك وقبل الصلاة بذلك الوضوء، فإن كان قد صلى به صلاة كان يصليها بعد ذلك، وإن لم تنتقض طهارته- فضيلة. تجديد الطهارة لكل صلاة
فإن توضأ في الأولى ثلاثا فلما صلى، جدد الطهارة لصلاة أخرى بثلاث ، فصارت بإضافتها إلى الأولى ستا جاز ذلك، فمنع الرابعة; لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ، وجاز ذلك لصلاة أخرى; لحديث " فمن زاد على الثلاث فقد أساء وتعدى وظلم" قال: أنس . أخرجه " " كان النبي - صلى الله عليه وسلم -يتوضأ عند كل صلاة. قيل له: فكيف كنتم تصنعون؟ قال: كان يجزئ أحدنا وضوؤه ما لم يحدث" البخاري . [ ص: 9 ] ومسلم
وأجاز في المدونة أن يتوضأ مرة إذا أسبغ . وقال أيضا: لا أحب الواحدة إلا من العالم ، وقال في سماع مالك الوضوء مرتان مرتان، وثلاث ثلاث، وقيل له: فالواحدة؟ قال: لا . وقال في " مختصر ابن عبد الحكم" : لا أحب أن ينقص من اثنتين إذا عمتا . أشهب:
وهذا احتياط وحماية; لأن العامي إذا رأى من يقتدى به يتوضأ مرة مرة، فعل مثل ذلك وقد لا يحسن الإسباغ بمرة فيوقعه فيما لا تجزئ الصلاة به، وإن لم يسبغ في الأولى وأسبغ في الثانية، كان بعض الثانية فرضا وهو إسباغ ما عجز عن الأولى وبعضها فضيلة وهو ما تكرر منها على الموضع الذي أسبغ أولا، وله أن يأتي برابعة يخص بها الموضع الذي عجز عنه أول مرة، ولا يعم في الرابعة فيدخل في النهي.
، ولا فضيلة في تكراره عقيب الغسل، ولا عند كل صلاة، وهو في ذلك بخلاف الوضوء، إلا ما وردت به السنة في الاغتسال للجمعة والعيدين، وما قيل في [ ص: 10 ] الاغتسال للإحرام ولدخول والفرض في الغسل من الجنابة والحيض والنفاس مرة واحدة مكة ولوقوف عرفة .
فالفرض للغسل والوضوء مرة مرة; لقول الله -عز وجل-: يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم [المائدة: 6] ، وقوله: فاطهروا . . . حتى تغتسلوا . . . حتى يطهرن ، فورد الأمر في جميع ذلك على صيغة واحدة، فلم يلزم بمجرد الأمر -لقوله تعالى في الغسل والطهر- إلا مرة واحدة، وكذلك الوضوء.
وقد أنكر النبي - صلى الله عليه وسلم - على السائل عن الحج: هل هو في كل عام ؟ فأخبر أن الفرض مرة ، وأنه كان يكتفى في ذلك بما ورد فيه عن السؤال، والرجوع في ذلك إلى إخبار النبي - صلى الله عليه وسلم - أن الأمر يقتضي فعل مرة واحدة، أولى من الاحتجاج بقول من أنكر عليه سؤاله، وأخبره أن سؤاله وقع غير موقعه.
وأما ما قيل: إن الفرض في الوضوء كان لكل صلاة ثم نسخ في فتح مكة- فغلط; لحديث أنس قال: ، وإن أمته كانت على خلاف ذلك تلتزم الواجب فتصلي الصلوات بوضوء واحد، وأنه - صلى الله عليه وسلم - كان يفعل ذلك للفضيلة، وإنما سأله " كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يتوضأ لكل صلاة" عن مخالفته لعادته ، ولحديث عمر سويد [ ص: 11 ] ابن النعمان ، وهي سنة ست وقيل: سنة سبع، وفتح " أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى وهو بالصهباء العصر والمغرب بوضوء واحد، وذلك في غزوة خيبر" مكة كان في سنة ثمان، وهو حديث صحيح، رواه في " الموطأ" وأدخله مالك " البخاري في صحيحيهما ، فبان بهذين الحديثين أن الفرض لم يكن قبل الفتح لكل صلاة.
ومسلم