الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل [في اشتراء ثمر النخل وجدادها قبل بدو صلاحها]

                                                                                                                                                                                        وقال ابن القاسم -فيمن اشترى ثمر نخل قبل أن يبدو صلاحها ثم جدها قبل أن يبدو صلاحها: إن البيع جائز إذا لم يشترط تركها حتى يبدو صلاحها، فإن اشتراها قبل بدو صلاحها، ثم جدها بعد أن بدا صلاحها، كان [ ص: 4232 ] عليه قيمتها يوم جدها إن كانت رطبا، وإن كان جدها تمرا كان عليه مكيلتها تمرا، وهو قول مالك، فحمل ابن القاسم البيع قبل بدو الصلاح على الجواز وعلى الجداد حتى يشترط البقاء.

                                                                                                                                                                                        وقال أبو الحسن ابن القصار وأبو محمد عبد الوهاب: البيع على الفساد حتى يشترط الجداد. والأول أحسن؛ لأن الأصل البيع في الثمن والمثمون على المناجزة، حتى يشترط الأجل في أحدهما أو تكون عادة، وكذلك قال ابن حبيب -فيمن اشترى ثمرة بعد طيبها فأراد أن يقرها حتى تيبس: فليس له ذلك وهي على تعجيل جدادها حتى يشترط تأخيرها من أجل السقي.

                                                                                                                                                                                        يريد: أنه لا يكون على البائع بقاؤها ولا سقيها إلا أن يشترط أو تكون عادة.

                                                                                                                                                                                        وأرى إذا بيعت قبل بدو الصلاح أن يستدل بالثمن الذي بيعت به فثمن ما بيع على الجداد مباين لما بيع على البقاء، ومحمل قول ابن القاسم إذا جدها رطبا أن عليه قيمتها يوم جدها؛ لأن جدادها رطبا فساد فيكون عليه قيمتها على ما تباع به على البقاء لتيبس، ولا يلزم البائع أخذها مجدودة، وإن كانت قائمة العين، وإن كانت العادة جدادها رطبا سلمت إليه على حالها، وهذا بخلاف من باعها قبل بدو صلاحها على الجداد فجدها زهوا أو رطبا فله أن يسلمها مجدودة، وإن كان جدادها حينئذ فسادا؛ لأن البائع سلطه على جدادها [ ص: 4233 ] قبل بدو صلاحها، فهو لم يزده تأخير الجداد إلا خيرا.

                                                                                                                                                                                        وإن فاتت ولم تعلم المكيلة كان عليه قيمتها مجدودة، وليس على البقاء لتيبس وكذلك إن علمت المكيلة، وكان غرم المثل يتعذر، وإن لم يتعذر وأحضر المثل لزم البائع قبوله، وإن لم يحضره وأحب البائع أن يأخذ من المشتري الثمن الذي يشتريه به كان ذلك له، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم: "لا ضرر ولا ضرار"، وإذا جدها تمرا أو لم يعلم المكيلة غرم قيمتها تمرا.

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا علمت المكيلة، فقال مالك وابن القاسم: عليه مثل مكيلة التي جد. وقال محمد: عليه القيمة في كل ما قبض جزافا، وإن عرفت المكيلة. والأول أقيس، وقد تقدم الجواب عنه في البيع الفاسد.

                                                                                                                                                                                        وقال مالك في كتاب محمد: فيمن اشترى ثمرة في رؤوس النخل قبل طيبها ثم باعها بعد طيبها وقبل أن يجدها: كان بيعها فوتا وعليه القيمة يوم بدا صلاحها، وقال محمد: عليه القيمة يوم باعها، قال: وقد كان مالك يقول يرد عدد المكيلة.

                                                                                                                                                                                        فأما قوله عليه القيمة يوم بدا صلاحها فلا يصح إلا أن يكون المشتري [ ص: 4234 ] دخل على أن يجدها إذا بدا صلاحها وبعد ذلك، فيجري على الخلاف في التمكين هل هو قبض؟ وإن دخل على أن تبقى لتيبس هل تعتبر القيمة يوم بدو الصلاح؟ وكان الاعتبار يوم البيع الثاني.

                                                                                                                                                                                        وقد اختلف فيمن اشترى عبدا شراء فاسدا فباعه أو أعتقه هل ذلك فوت؟ فعلى القول إنه ليس بفوت يكون البائع الأول بالخيار، بين أن يجيز البيع ويكون له الثمن، أو يرد المشترى، وإن بان بها وهو يعلم لم يكن له إلا الثمن، وإن لم يعلم بالبيع الثاني كان بالخيار، بين أن يجيز البيع ويأخذ من المشتري الثاني الثمن، أو القيمة مجدودة حسبما قبضها عليه المشتري الآخر، أو المكيلة إن عرفت، وعلى القول إن ذلك فوت يكون على المشتري الأول القيمة يوم باعها، فقال: بكم تباع على أن تبقى في رؤوس النخل، في ضمان بائعها الأول إلى أن تيبس، وهو معنى قول محمد؛ لأن المشتري الآخر اشترى على مثل ما تشترى عليه الثمر المزهية، أن الجائحة من البائع حتى تيبس، وإذا لم يضمنها المشتري الآخر إلا باليبس كان للمشتري الأول على البائع مثل ذلك، وهو بمنزلة من اشترى ثمارا مزهية ثم باعها بالحضرة، فإن لكل واحد من المشترين الرجوع على من باع منه متى أجيحت، ويصح أن يقال: إن البيع فوت، ويكون للمشتري الأول الثمن الذي باع به، وعليه لمن باع منه أولا مثل المكيلة، كما قال مالك؛ لأنه وإن كان البيع فوتا، فإن الضمان لا ينتقل عن واحد منهما إلا باليبس، وإذا كان ذلك كانت المكيلة على صفتها وقت قبضها. [ ص: 4235 ]

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية