فصل [في بياعات أهل الكفر إذا انعقدت على حرام ثم أسلموا بعد القبض]
ماضية. بياعات أهل الكفر إذا انعقدت على حرام من الربا أو خمر أو غيره، ثم أسلموا بعد قبض الثمن والمثمون-
واختلف إذا أسلما بعد قبض أحدهما، هل يفسخ أو لا؟ مثل أن يسلم دينارا في دينارين، أو درهما في خمر، أو يبيع خمرا بثمن إلى أجل.
فذهب مالك إلى أن ذلك مفسوخ، فيرد رأس المال إذا أسلم في ربا أو غيره، ويسقط ثمن الخمر. وقالا في وابن القاسم وقال نصراني تزوج نصرانية ثم أسلما قبل الدخول، وبعد قبض الخمر: لا يدخل بها على ذلك الصداق؛ لأنه ثمن للخمر. يدخل بها. يريد: لأن الخمر قبضت في وقت كان عندهم كالدراهم في شرعهم، وهي البضع وهو مما يجوز قبضه في الإسلام. عبد الملك:
وقال محمد فيمن باع خمرا بثمن إلى أجل، ثم أسلم قبل قبض الثمن: على المشتري أن يدفع الثمن. وهذا مثل قول فأمضيا العقد بينهما. وقال عبد الملك، في السليمانية: إذا أسلم في خمر، فأسلما قبل قبضها أن لا شيء لمن أسلم فيها، وهي مصيبة نزلت به. وهذا يصح على القول لإمضاء عقودهم، فإذا أمضى [ ص: 4315 ] العقد لم يكن له رأس المال، وإنما له خمر، فوافق في ثبوت العقد، وخالف في الغرم عن الخمر، لتغليب أحد الضررين، فيكون عليه ما يسد مسده. سحنون
واختلف أيضا إذا فقيل: لا شيء على الزوج. وقيل: عليه صداق المثل. ومن أمضى العقد الأول لم ير عليه شيئا، ويكون مصيبة نزلت بها؛ لأن الذي لها خمر، ولو غرمت لكسرت عليها. وعلى قول تزوجها بخمر، فأسلما بعد الدخول وقبل قبض الخمر، محمد بن عبد الحكم يكون لها قيمتها، وكذلك إن أسلم دينارين- يكون له أن يقبض الدينارين على قوله، أو أسلم دينارا في دراهم، فله أن يقبض الدراهم، فإنه يمضي العقد، فما كان لا يصح ملكه في الإسلام- أسقط الغرم فيه عن المطلوب، وما كان يصح ملكه وهي الدنانير والدراهم- جعل له قبضها، وإن كانت ثمنا عما لا يحل.
واختلف إذا أسلم أحدهما بعد تسليم القول بالفسخ، إذا أسلما جميعا، فقال يفسخ ذلك أيضا، بمنزلة إذا أسلما جميعا، ووقف فيه ابن القاسم: إذا تعلق به حق النصراني، فقال: إن أسلم الذي له الديناران- كان له رأس ماله، وإن أسلم الذي عليه الديناران خفت أن أظلم النصراني. وفي كتاب محمد: إذا أسلم دينارا في دراهم فأسلم الذي له الدراهم- أخرج النصراني الدراهم فاشترى منها دينارا، فإن لم يوف الدراهم لم يكن له غيره، وإن فضل فضل كان للنصراني. فأمضى العقد الأول، ولم يفسخه في حق النصراني. [ ص: 4316 ] مالك
على قول يفسخ، ويرد الدينار الذي أسلم، وقال: إن أسلم في خمر، فأسلم الذي عليه الخمر- رد رأس المال. وإن أسلم الذي له الخمر، فلا أدري؛ لأني إن أمرته برد رأس المال ظلمته، وإن أعطيته الخمر أعطيته ما لا يحل. ابن القاسم
ففرق بين السؤالين، وفسخ ذلك إذا أسلم الذي عليه الخمر؛ لأنه لا يقدر على أدائها إن كانت في ملكه؛ لأنها تكسر عليه، ولا يجوز له شراؤها إن لم تكن في ملكه، فصارت ضرورة. وإن أسلم من له الخمر، قال النصراني: هذه الخمر التي تستحق قبلي، لا أغرم غيرها وتكسر عليك.
وقد اختلف في الموضعين جميعا، فقال محمد بن عبد الحكم: إن أسلم الذي عليه الخمر غرم قيمتها للنصراني. ورأى إسلامه بمنزلة من استهلك لنصراني خمرا فعليه قيمتها.
وقال إن أسلم من له الخمر لم يكن له شيء، لا رأس مال ولا غيره، مثل قول ابن الماجشون: إذا أسلما. وقول سحنون أحسن، وأخذها من النصراني فتهراق أولى من تركها عنده. مالك
وإن أقرض أحدهما الآخر خمرا، ثم أسلما- لم يكن للمقرض شيء؛ لأنه [ ص: 4317 ] إن كان في يد المستقرض خمر أريقت عليه، وإن لم تكن عنده لم يجز له شراؤها، وعلى قول محمد بن عبد الحكم له قيمتها اليوم.
واختلف إذا أسلم أحدهما، فقال إن أسلم المسلف فلا شيء له، وإن أسلم المتسلف فلا شيء عليه. وقال ابن المواز: في العتبية ابن القاسم [ ص: 4318 ] فيمن استقرض خمرا أو خنزيرا: فعليه قيمتها، وإن أسلم المسلف فأحب إلي أن يؤخذ الخمر فيراق والخنزير فيقتل.