الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        باب في قضاء من فاتته بعض صلاة الإمام

                                                                                                                                                                                        اختلف عن مالك -رحمه الله- فيمن أدرك بعض صلاة الإمام، فقال: ما أدرك فهو آخر صلاته ويقضي أولها .

                                                                                                                                                                                        وقال أيضا: ما أدرك فهو أولها ويأتي بآخرها ويكون بانيا .

                                                                                                                                                                                        وتختلف على قوله هذا نية الإمام والمأموم; فالإمام في آخر صلاته والمأموم ينوي أولها، وعلى قوله الآخر يكون في صلاته على حكم إمامه، وهي آخرة لهما جميعا.

                                                                                                                                                                                        وقال مالك فيمن أدرك مع الإمام ركعتين فسلم الإمام: فإنه يقوم بتكبير; لأنه وسط صلاته . فجعل الذي أدرك أولها، وعلى القول الآخر أن ما أدركه هو آخرها، فيكون وسط صلاته الركعة الثانية من اللتين يأتي بهما.

                                                                                                                                                                                        وقال فيمن أدرك ركعة من المغرب: تصير صلاته كلها جلوسا .

                                                                                                                                                                                        وهذا أيضا على القول أن الذي أدرك أولها وأنه الذي يأتي بآخرها.

                                                                                                                                                                                        وقال أبو محمد عبد الوهاب : لو كان ما يقضيه أول صلاته لوجب ألا يجلس للركعتين اللتين يقضيهما مرتين .

                                                                                                                                                                                        وهذا الذي قاله صحيح، وقياس قوله أنه آخرها يأتي بركعتين ولا يجلس [ ص: 375 ] إلا في الآخرة، وقد سلم أنه يقرأ في الركعتين جهرا وإنما يجهر في الأولين.

                                                                                                                                                                                        وقد قال أبو محمد عبد الوهاب في التلقين: من فاته بعض صلاة الإمام فإنه يقضي الأولى كما فعل الإمام . ومفهوم قوله أنه يفعل مثل فعله في الحركات; القيام والقعود.

                                                                                                                                                                                        وقال أيضا في الإشراف: ما أدرك آخر صلاته وما فاته أولها. وهذا هو الأولى والمشهور من قول مالك، وروي عنه أن ما أدرك فهو أول صلاته وما فاته فهو آخرها وهو قول الشافعي . انتهى قوله.

                                                                                                                                                                                        وهذا يرد على قول من قال: إن القولين يرجعان لشيء واحد وأنه يكون في القراءة قاضيا، وفي القيام والجلوس بانيا; لأن المسألة مسألة اختلاف بين الشافعية والحنفية وكل واحد منهم يناظر على صحة قوله. وقد قيل: إن مالكا قال بالقولين جميعا، ولا وجه له أيضا ، إلا أن تكون الركعة الواحدة أولى في القراءة ثانية في الجلوس وثانية في القراءة وثالثة في القيام، فأما أن يقال: إن الذي يأتي به أولها، فيكون ذلك في القراءة والقيام، أو آخرها فيكون [ ص: 376 ] أيضا في الوجهين جميعا.

                                                                                                                                                                                        وأما قول مالك فيمن أدرك ركعة من الظهر فسلم الإمام وقام للقضاء ، فإنه يقرأ بأم القرآن وسورة فإذا ركع وسجد جلس; لأن ذلك وسط صلاته، ثم إذا قام أتى بركعة فقرأ فيها بأم القرآن وسورة - فإنما أجاب على القول أن الذي أدرك أولها.

                                                                                                                                                                                        وأرى أن يحتاط في الركعة الثالثة بزيادة سورة مع أم القرآن; مراعاة للخلاف. وأرى أن يكون قاضيا في جميع هذه المسائل; لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: " فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا" . وفي حديث آخر: " فاقضوا" . فمفهوم قوله: " وما فاتكم" أي: ما سبقكم به الإمام فصلوه، وذلك يوجب أن يأتي به حسب ما كان الإمام يفعله، ولقوله: " فاقضوا" . وهذا نص منه - عليه السلام - على أن الذي يأتي به هو الذي سبق به الإمام، وإليه يرجع قوله: " فأتموا" ; لأن من قضى فقد أتم، ومن لم يقض لم يتم.

                                                                                                                                                                                        واختلف في الفذ يسقط سجدة من أول ركعة أو من الثانية، فقال ابن القاسم وغيره: يكون بانيا. ففرق بين الفذ وبين المأموم. [ ص: 377 ]

                                                                                                                                                                                        وقال ابن وهب وأشهب في مدونته: يكون قاضيا ويأتي بركعة يقرأ فيها بأم القرآن وسورة، وسجوده بعد السلام.

                                                                                                                                                                                        وأرى أن كل ركعة تبقى على ما كان نوى، ويأتي بالتي أسقط منها السجدة، وقاله ابن القاسم فيمن صلى وركع ونسي السجود ثم صلى الثانية وسجد ونسي منها الركوع، قال: لا يجزئه هذا السجود من سجود الأولى; لأنه نيته في هذا السجود إنما كان لركعة ثانية .

                                                                                                                                                                                        ومن أدرك من صلاة الإمام ركعتين كبر إذا استوى قائما، وإن أدرك ركعة أو ثلاثا قام بغير تكبير، وقال ابن الماجشون : بتكبير. والأول أحسن; لأن التكبير للرفع من السجود; أي: وإن كنت عفرت وجهي في الأرض لله تعالى فإنه أكبر وحقه أعظم. [ ص: 378 ]

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية