الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل [في بيعه وهو مريض فصح، أو هزيل فسمن، أو العكس]

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا بيع وهو مريض فصح، أو صحيح فمرض، أو هزيل فسمن، أو سمين فهزل، هل ذلك فوت فلا يرد ويرجع بالعيب، أو يكون كالقائم يمسك ولا شيء له، أو يرد ولا شيء عليه؟

                                                                                                                                                                                        فقال محمد -فيمن اشترى جارية مريضة فصحت، أو هزيلة فسمنت وارتفع لذلك ثمنها، أو سمينة فائقة فهزلت وأبضع ثمنها، ثم وجد بها عيبا: لم يكن له إلا الرد ولا شيء عليه، أو يمسك ولا شيء له. قال مالك: إلا أن يكون مثل المرض الذي يبلغ به.

                                                                                                                                                                                        قال ابن حبيب: رأيت من أرضاه من أهل العلم يقول: السمن البين في الجواري بعد الهزال البين فوت، والهزال البين بعد السمن البين فوت.

                                                                                                                                                                                        وأرى أن يرجع في ذلك إلى أهل المعرفة، فإن قالوا: إن الثمن لا يتغير عن الحال الأول أو يتغير بالشيء اليسير كالزيادة والنقص؛ كان كالقائم، وإن كانت الزيادة أو النقص الشيء الكثير، كان فوتا يمسك لأجل الزيادة ويرجع [ ص: 4383 ] بالعيب ويرد بالنقص ما نقصه الثمن.

                                                                                                                                                                                        قال محمد: وأما الدابة تكون سمينة فتعجف فليس كالرقيق، ولم يختلف فيها قول مالك أنه يرد ما نقص، أو يمسك ويرجع بالعيب.

                                                                                                                                                                                        قال: واختلف عنه إذا كانت عجفاء فسمنت هل ذلك فوت فيرجع بقيمة العيب، أو تكون كالقائمة يمسك ولا شيء له، أو يرد ولا شيء عليه؟ والأول أصوب وقد تقدم وجه ذلك.

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا علم العبد صنعة أو كانت جارية فعلمها الرقم أو الطبخ وزاد لذلك ثمنها؛ قال مالك -في كتاب محمد: لا شيء له في ذلك. وجعلها كالقائمة يمسك ولا شيء له، أو يرد ولا شيء عليه.

                                                                                                                                                                                        وقال في المبسوط فيمن تزوج على جارية أو غلام ونقد ذلك، فجعلت الزوجة الجارية في المشط، والغلام في العمل وعزمت على تعليمهما، ثم طلق قبل أن يمس: كان عليه أن يغرم نصف ما أعطت في ذلك، ويأخذ نصفه. وهذا أحسن فيكون على هذا المشتري بالخيار بين أن يمسك ويأخذ قيمة العيب، أو يرد ويعطيه البائع ما أعطى في ذلك من الأجرة، أو يباع فيكون له من الثمن بقدر ما زادت الصنعة على الثمن الأول، فإن كان لا يزيد شيئا لم يكن على البائع شيء ولا أن يبيعه، وللمشتري أن يحبس ويرجع بالعيب، وإن كانت الصنعة لا تزيد في ثمنه، لئلا يكثر عمله.

                                                                                                                                                                                        وقد قال ابن القاسم - فيمن غصب طعاما ثم نقله، فلقيه المغصوب منه بذلك البلد والطعام معه: ليس له أن يأخذه؛ لأن الغاصب أذن في [ ص: 4384 ] نقله ثمنا.

                                                                                                                                                                                        وكذلك قال -فيمن غصب عودا فشقه أو نجره، أو نحاسا فصنعه: لا يؤخذ منه لئلا يكثر عمله. والمراعى في ذلك هل زادت الصنعة أو لم تزد؟ فالمشتري أحرى أن لا يخسر ما عمله بوجه شبهة.

                                                                                                                                                                                        وقد ذهب بعض أهل العلم، في الجارية يشتريها الرجل ويؤدي عنها القبالة للسلطان: أن له أن يمسك ويرجع بالعيب، لئلا يخسر ما غرمه بوجه شبهة. وعلى قول مالك: أن لا مقال للمشتري إذا أدى ثمنا في تعليمها الصنعة، فلا يكون له مقال فيما غرم من القبالة. وعلى ما ذكرنا في الغاصب يكون ذلك له، إلا أن يكون الشيء اليسير.

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية