الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        باب في عهدة الثلاث

                                                                                                                                                                                        عهدة الثلاث تصح في الرقيق خاصة دون سائر الحيوان، وقال ابن وهب: أخبرني مسلمة بن علي، عن رجل، عن عقبة بن عامر الجهني قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: "عهدة الرقيق أربعة أيام، أو ثلاثة"، شك أي ذلك قال.

                                                                                                                                                                                        وقد قيل: ذلك لحمى الربع، فإن كان ذلك فقد يحمل الحديث على ما كان بالمدينة من الحمى قبل أن يدعو النبي - صلى الله عليه وسلم - أن تنتقل إلى الجحفة، فإن اشترط المشتري عهدة الثلاث وكانت تلك العادة، حمل عليها.

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا شرط إسقاطها أو كانت تلك العادة فقيل: البيع جائز ولا عهدة بينهما. وقيل: الشرط باطل ورآه شرطا فاسدا لا يوفى به، وإذا كان فاسدا كان البيع فاسدا، على القول في الشرط هل يفسد لأجله البيع؟ وأرى البيع جائزا ولا عهدة له؛ لأن الغالب السلامة، وغير ذلك نادر، وإذا بيع على العهدة كانت المصيبة والعيوب الحادثة في الثلاث، العهدة من البائع، أي عيب كان، كالأمة توقف للاستبراء، فيحدث بها عيب ثم يتبين أن لا حمل بها كانت من البائع، ولو قيل في الأمة: إنها من المشتري، لكان وجها.

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا وجد العبد بعد الثلاث ميتا أو به عيب، ولا يدرى كان ذلك في الثلاث أو بعد، فقال مالك: هو من البائع حتى يعلم أنه خرج من الثلاث سالما. وقال ابن القاسم: هو من المشتري حتى يعلم أنه مات أو أصابه ذلك [ ص: 4446 ] في الثلاث. والأول أقيس؛ لأن الأصل أنه في ضمان البائع، ووجوده بعد الثلاث على ذلك مشكوك فيه، فلا ينقل عن ضمان الأول بشك، إلا أن يقال: لو مات في الثلاث لتغير.

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا تبرأ من الإباق فأبق في الثلاث، فقال مالك -في المدونة: هو من البائع. وفي كتاب محمد: هو من المشتري. وهذه أشكل من التي قبل؛ لأنه على الحياة وعلى السلامة، حتى يعلم غير ذلك، والأول وجد ميتا أو معيبا.

                                                                                                                                                                                        وإذا كان من البائع، كان للمشتري أن يرجع بالثمن بعد الاستيناء عند ابن القاسم. وقال سحنون: لا يستأنى بذلك. والأول أصوب؛ لأن الأمر مشكل، فلا يعجل ويتربص. وقال محمد: إن ترادا الثمن ثم وجد العبد لزم البائع، وقد انتقض البيع. وأرى أن يرجع إلى ما كشف الغيب ويلزم المشتري ولا ينتقض البيع. [ ص: 4447 ]

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية