الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        باب في تفسير أحكام ما تقدم ذكره من بيع الكذب والغش والعيب

                                                                                                                                                                                        ومن اشترى سلعة بعشرة فقال: اشتريتها باثني عشر، فإن كانت قائمة كان المشتري بالخيار: بين أن يتمسك ولا شيء له، أو يرد، إلا أن يحط البائع الكذب وربحه، فإن فاتت خير البائع بين أن يحط الكذب وربحه، أو يعطى قيمة سلعته يوم قبضت، ما لم يجاوز ما باع به، أو ينقص من العشرة وربحها، وهذا قول مالك.

                                                                                                                                                                                        وقد اختلف في قيام السلعة وفوتها، فقال عبد الملك في المبسوط: للمشتري أن يرد إذا كانت قائمة وإن حط الكذب وربحه; لأنه عامله على الخديعة واستحلال الحرام، وهذا صواب، ومحمل قول مالك على أن المشتري قام بالكذب، فإذا حط عنه سقط مقاله.

                                                                                                                                                                                        فأما إن قال: أنا أرد لإمكان أن يكون استغرقت ذمته من ذلك كان ذلك له; ولأن أدنى منازله أن الناس يكرهون مبايعة مثله، فإن لم ينقد الثمن، أو نقده وعرف بعينه، أو كان الثمن عرضا ولم يفت- كان له أن يرد، كما قال عبد الملك.

                                                                                                                                                                                        وإن استهلكه مضى بالثمن الصحيح; لأنه إن رد السلعة أخذ ثمنه من ذمة فاسدة، إلا أن يكون حديث عهد بالجلوس للبيع وبإفادة ذلك المال، فلا رد له إن حط الكذب وربحه، وإن كان حديث عهد بالجلوس للبيع وقديم الكسب [ ص: 4606 ] لذلك المال كان له أن يرد; لأنه دليل على أنه غير متوق في كسبه.

                                                                                                                                                                                        وقد اختلف عن مالك فيما يفيتها؟ ومتى تكون القيمة؟ وهل يحط الكذب وربحه وإن كره البائع؟ فروى ابن القاسم عن مالك أنه قال: تفيتها حوالة الأسواق، والقيمة يوم القبض، وروى عنه علي بن زياد أنه قال: يفيتها النماء والنقص، والقيمة يوم البيع.

                                                                                                                                                                                        وأرى أن تفيتها حوالة الأسواق كالاختلاف في الثمن تفيته حوالة الأسواق; لأنه ليس بعيب في السلعة، وإنما مقاله في كثرة الثمن وقلته، إلا أن يقول: لأجل فساد ذمة البائع، ولم يكن دفع الثمن- فلا تفيت حوالة الأسواق ولا العيوب، ويكون له هو أن يرده وما نقصه العيب.

                                                                                                                                                                                        وأما الاختلاف في وقت القيمة، فهو راجع إلى الاختلاف في المحبوسة بالثمن، فعلى القول إنها على البائع، تكون القيمة يوم القبض، وعلى القول إنها من المشتري; تكون القيمة يوم البيع; لأنه بيع صحيح تعلق به حق لآدمي، والفاسد ما تعلق به حق لله سبحانه.

                                                                                                                                                                                        وقال في أول الكتاب: يحط الكذب وربحه في الفوت، ولم يجعل للبائع في ذلك خيارا. وكذلك في كتاب محمد، وإليه يرجع قوله، وجوابه في من اشترى شيئا فنقد غيره، والقول الأول أحسن، قال مالك: وليس ظلمه وزيادته بالذي يحمل عليه، فيؤخذ بما لم يبع به، وهذا صحيح; لأنه يمكن لو لم يزد في الثمن لباع بأكثر من ذلك الربح. [ ص: 4607 ]

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية