الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل في اختلاف الموكل والوكيل في قدر الثمن، وفي جنسه، وفي حلوله

                                                                                                                                                                                        فإن اختلفا في قدره، فقال: الآمر أمرتك باثني عشر. وقال المأمور: بعشرة وبها باع. فإن كانت للموكل بينة ولم يبن بها المشتري كان بالخيار بين أن يرد البيع، أو يجيز ويأخذ من المشتري عشرة ومن المأمور دينارين، وهذا قول ابن [ ص: 4640 ] القاسم فيمن سمى له ما يبيع به فباع بدون التسمية، وحمل عليه أنه التزم تلك التسمية.

                                                                                                                                                                                        وقيل: لا شيء على المأمور، وهو أحسن; لأن الظاهر المخالفة دون التزام، وإن استظهر بيمينه أنه لم يلتزم الدينارين فحسن.

                                                                                                                                                                                        وإن بان بها المشتري كان على المأمور على قول ابن القاسم الأكثر من القيمة أو الاثني عشر، وإن كانت الاثنا عشر أكثر أخذها; لأنه يحمل عليه الرضا بها، فإن كانت القيمة أكثر أخذها; لأنه مقر أنه تعدى.

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا لم تفت، أو لم يفت المبيع أو السلعة ورضي المشتري أن يتم الاثني عشر: هل يلزم ذلك الآمر; لأنه الثمن الذي رضي البيع به، أو لا يلزم؟ لأن الآمر يقول: هذا بيع تعد لم آمر به، والبيع الذي أمرت به لم تفعله بعد، وقد بدا لي أن لا أبيع سلعتي.

                                                                                                                                                                                        وأرى إن رضي بذلك المشتري لما علم بتعدي المأمور- وأجاز له المأمور البيع بالاثني عشر قبل أن يعلم الآمر- أن يلزم البيع ولا رد للآمر; لأن الوكالة التي وكل عليها لم يكن فعلها قبل، ولا يزول بذلك البيع الذي كان تعديا.

                                                                                                                                                                                        ولو رد المأمور ذلك البيع قبل أن يعلم الآمر كان له أن يبيعها بالاثني عشر، وإن لم تشهد للآمر بينة، واعترف المأمور أنه أمره باثني عشر- لم يصدق على المشتري.

                                                                                                                                                                                        قال مالك في كتاب محمد: ويكون للآمر أن يغرم الرسول ما أمر به، وإن كان [ ص: 4641 ] عديما أتبع به، ولم يكن له على المشتري سبيل ولا غرم وإن كان موسرا.

                                                                                                                                                                                        يريد إذا لم يحلف الآمر، فإن حلف وكانت السلعة قائمة أخذها، وإن فاتت أغرم المشتري تمام القيمة إن كانت أكثر من عشرة، وإن أنكر الرسول، وقال: ما أمرتني إلا بعشرة- حلف الآمر أنه أمره باثني عشر ورد البيع، فإن نكل مضت العشرة ولم يرد اليمين على المشتري; لأنه لا علم عنده، وإنما له أن يحلف البائع; لأنها يمين تهمة، فلا ترجع ولا على الوكيل; لأنه إذا خلص المقال بين الآمر والمأمور كان القول قول المأمور.

                                                                                                                                                                                        فإن نكل حلف الآمر واستحق، فإن نكل لم يكن له شيء، وهو قد تقدم نكوله عنها، وكذلك إن اختلفا، وقد بان بها المشتري فالقول قول المأمور، فإن نكل حلف الآمر واستحق، فإن نكل لم يكن له شيء، وقد قيل يتحالفان إن كانت القيمة أحد عشر ويغرم الوكيل دينارا; لأن اختلاف الآمر والمأمور كاختلاف المتبايعين، وقد قال أشهب: إذا فاتت السلعة تحالفا وردت القيمة بدلا من العين.

                                                                                                                                                                                        ويختلف إذا أتى الآمر بما لا يشبه، والمأمور بما يشبه، والسلعة قائمة، فقال مالك مرة: القول قول البائع. وكذلك الآمر يكون القول قوله مع يمينه ويرد البيع، وبه أخذ ابن القاسم. وقال مرة: لا يقبل قوله، وهو أحسن; لأن [ ص: 4642 ] ذلك دليل كشاهد قام للمأمور وللمشتري على صدق المأمور وكذب البائع، فإن فاتت كان القول قول المأمور مع يمينه، ولا يغرم المشتري إلا ما حلف عليه المأمور، فإن غاب المشتري حلف المأمور وبرئ، فإن نكل وكانت القيمة أكثر مما باع به غرم تمام القيمة.

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية