الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        باب في مساقاة الحائط الغائب

                                                                                                                                                                                        وقال ابن القاسم في من ساقى حائطا بالمدينة وهو بالفسطاط: إن وصف الحائط فلا بأس.

                                                                                                                                                                                        قال الشيخ: تصح المساقاة بشرطين: بمعرفة ما يتكلف من العمل، وبمعرفة ما يأخذه عن عمله من العوض.

                                                                                                                                                                                        فأما ما يتكلف من العمل فيذكر ما فيه من الرقيق والدواب أو لا شيء فيه، والماء هل هو بالعيون أو بالغرب أو بعل، والأرض وما هي عليه من الصلابة وغيرها إذا كان يتكلف أن يقلبها ويعمر ما بين الشجر.

                                                                                                                                                                                        وأما العوض فيعرف أجناس الثمار، وعدد الشجر، وكم القدر المعتاد فيما يوجد فيها، وإن كان الحائط حاضرا مشى فيه ونظر، ورآه وسأل صاحبه عما يمكن أن يخفى عليه من حمل النخل أو غير ذلك.

                                                                                                                                                                                        ويختلف إذا كان صاحب الحائط عالما بما يخرج، هل يجوز إذا لم يعلمه [ ص: 4695 ] قياسا على البائع يعلم كيل صبرته ولا يبين ذلك للمشتري؟ وإذا كان هذا الحائط أول عام يطعم فيه يسأل أهل المعرفة عن المعتاد في إطعام مثل هذا النخل أول عام، ثم يساقيه بعد المعرفة. وإن كانت المساقاة عامين أو أعواما سئل: كم العادة فيما ينتقل إليه حاله ويزيد في كل عام في الغالب؟ فإذا عرف ذلك عقد السقاء، وإذا صحت المساقاة كان على العامل أن يسقي، إن كان بالعيون إذا جاءت تلك النوبة، وإن كانت له عيون تخصه سقى على العادة، وكذلك إن كان بالغرب فإنه يسقي في الأوقات المعتادة، فإن كانت العادة أربع سقيات في الشهر، فسقى ثلاثا وعطل سقية من كل شهر لم يستحق الجزء المسمى كله، وإن كان صاحب الحائط بالخيار بين أن يحط من الجزء المسمى ربعه، أو يغرمه قيمة تلك المنافع التي عطل، وهو بمنزلة رجل باع منافعه بعرض، ثم حبسها تعديا حتى فات ما اشتريت به، فإن مشتريها بالخيار بين أن يفسخ عن نفسه البيع فيها ويسقط عنه الثمن، أو يغرمه قيمتها ويدفع ثمنها.

                                                                                                                                                                                        وقد قال ابن نافع: يحط من الجزء بقدر ما عطل. وقال سحنون مثل ذلك في من ساقى زيتونا على أن يحرثه سككا فعطل بعضها، يحط من المسمى بقدر ما عطل. ولم يتكلم إذا أحب أن يدفع المسمى ويغرمه قيمة المنافع. وأصل قولهم أن ذلك له. [ ص: 4696 ]

                                                                                                                                                                                        ولو ساقاه حائطا غائبا على أن يخرج ما فيه من العبيد والدواب ويأتي بذلك من عنده، على القول بإجازة ذلك، فلم يخرجهم وعمل ما بعدهم- كان صاحب الحائط بالخيار بين أن يحط عنه من المسمى بقدر ذلك; لأنه عطل ذلك، أو يغرمه قيمة عمل ذلك الرقيق والدواب ويوفيه المسمى.

                                                                                                                                                                                        وإن كانت المساقاة على أن يبقي فيه رقيقه ودوابه، ثم تعدى صاحب المال فأخرجهم، وأتم العامل العمل من عنده- كان له أجر ما عمل، ولا يزاد في المساقاة على الجزء الأول; لأن ذلك الزائد لم يتعد صاحب الحائط، بخلاف تعدي العامل إذا عطل.

                                                                                                                                                                                        ومن "العتبية" و"كتاب محمد" قيل لمالك: أرأيت إذا أتى الله عز وجل المساقاة بالسيل فدخل الحائط وأقام فيه أياما، أترى لصاحب الحائط أن يحاسبه بشيء من ذلك؟ قال: لا يحاسبه بشيء من ذلك.

                                                                                                                                                                                        وأرى أن للعامل أن يأخذ جزأه كاملا وإن لم يتكلف السقي بغرب ولا غيره. والقياس أن يحاسبه بذلك إلا أن يكون العامل هو الذي رد الماء إلى الحائط، أو يكون سقى الحائط بالعيون فلا يحط عنه لمكان السيل شيء. [ ص: 4697 ]

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية