الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        باب في مساقاة النخل إذا كان مختلفا يطعم بعضه دون بعض

                                                                                                                                                                                        ومن "المدونة" قال ابن القاسم فيمن ساقى حائطا فيه نخل قد أطعمت، ونخل لم تطعم: لم يجز; لأن فيه منفعة لرب الحائط يزدادها على العامل في الحائط; لأن بيعه قد حل، والحائط إذا أزهى بعضه ولم يزه بعضه- حل بيعه.

                                                                                                                                                                                        قال الشيخ: مساقاة النخل على أربعة أوجه:

                                                                                                                                                                                        فتجوز في وجه، وهو: إذا كان كثيرا قد بلغ حد الإطعام، عجز عنه صاحبه أو لم يعجز، كانت فيه ثمرة أو لم تكن، السنة والسنتين أو أكثر من ذلك.

                                                                                                                                                                                        ويمنع في ثلاث مسائل، وهي: أن يكون وديا لم يطعم، أو كبيرا وفيه ثمر قد بدا صلاحه على اختلاف في هذا الوجه.

                                                                                                                                                                                        ويمنع أن يجتمع في سقاء واحد ما بدا صلاحه وما لم يبد صلاحه، وإذا كان كذلك، فإن الحائط إذا أطعم بعضه دون بعض على ستة أوجه: فإن كان قد أزهى بعضه، وليس بباكور وهو جنس واحد- جاز بيع جميعه، وإذا جاز بيع جميعه لم تجز مساقاته على قول مالك في "المدونة".

                                                                                                                                                                                        وقال في "كتاب [ ص: 4706 ] محمد" فيمن ساقى حائطا بثمرة من حائط آخر على أن لصاحب الأصل نصف الثمرة أو أقل أو أكثر، فقال مالك: إذا كان ذلك بعد أن طابت ثمرة صاحب الحائط الذي يعطى منه فلا بأس إذا كان السقي معروفا فهو بمنزلة الأجرة وأجازه سحنون أيضا وقال: هذه إجارة، وهو بمنزلة البيع فكما جاز أن يبيع نصفها فكذلك يجوز أن يؤاجره بنصفها.

                                                                                                                                                                                        وإن كان الذي طاب باكورا وهو بعيد اللحوق بما لم يطب، وكانت المساقاة على أن يسقي جميع الحائط ويأخذ الجزء مما طاب خاصة- جاز ذلك، وتكون إجارة بمنزلة من أعطى حائطين قد طاب أحدهما على أن يأخذ الجزء مما طاب خاصة ومما لم يطب- لم يجز.

                                                                                                                                                                                        وإن كانت المساقاة على أن يسقي جميعه ويأخذ الجزء مما لم يطب خاصة، أو مما طاب ومما لم يطب- لم يجز ذلك. وإذا كانت المساقاة على أن يسقي ما طاب وحده، ومنه يأخذ جزأه- جاز على أحد قولي مالك.

                                                                                                                                                                                        وإن كانت على أن يسقي ما لم يطب ومنه يأخذ جزأه- جاز قولا واحدا، وإنما لم يجز أن يسقي الحائط على أن يأخذ الجزء من الثمر مما طاب ومما لم يطب; لأنها صفقة جمعت مساقاة وبيعا، وهو أيضا جعل وبيع، ويدخله مساقاة ما لم يطب بجزء من غيره; لأن أجرة ما طاب أقل، وخدمة ما لم يطب أكثر، [ ص: 4707 ] وكل هذا إذا كان كل واحد منهما كثيرا; لأنه مقصود في نفسه.

                                                                                                                                                                                        وإن كانت المساقاة على أن يسقي جميع الحائط، ويأخذ جزأه مما لم يطب وهو الأكثر، والذي طاب يسير مختلطا بما لم يطب جاز.

                                                                                                                                                                                        قال مالك في "كتاب محمد" فيمن ساقى نخلا وفيها رمان قد طاب وهو لصيق النخل ومعها يشرب فذلك جائز، وهو لرب النخل، ولا يصلح للعامل أن يشترط منه شيئا. ومحمل قول مالك في جواز مساقاة ما قد طاب، إذا لم يكن في الحائط رقيق ولا دواب، أو كانوا فيه وشرط إطعامهم على صاحب الحائط، فإن شرط على العامل فسد، ودخله الطعام بالطعام ليس يدا بيد، وعلى قول مالك في مساقاة ما صلح من الثمار: أنها إجارة، تكون الجائحة إن أجيحت قبل اليبس من صاحب الحائط، ويرجع العامل بقيمة إجارته في جميع الثمرة; لأنه إنما يسقيها بماء البائع وعمله في ذلك تبع. [ ص: 4708 ]

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية