الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        باب في الشركة في الحرث

                                                                                                                                                                                        قال محمد بن المواز: إذا سلم المتزارعان في قول مالك من أن تكون الأرض لواحد والبذر من عند الآخر، جازت الشركة إذا تساويا ولم يفضل أحدهما الآخر بشرط في عمل ولا نفقة ولا منفعة.

                                                                                                                                                                                        قال الشيخ -رحمه الله-: فتجوز الشركة إذا كانا شريكين في الأرض والبذر، أو في الأرض دون البذر، أو في البذر دون الأرض وتساويا فيما بعد ذلك; لأنه لا يدخلهما حينئذ كراء الأرض بالطعام.

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا كانت الأرض لأحدهما والبذر للآخر، أو كانت الأرض والبذر لأحدهما والعمل من عند الآخر، فمنع مالك وابن القاسم إذا كانت الأرض لأحدهما والبذر للآخر. قال ابن القاسم: لأنه أكرى الأرض بنصف البذر، فإن نزل ذلك وفات بالعمل كان الزرع لصاحب الأرض وعليه مثل جميع البذر. وروى ابن غانم عن مالك أن الربح لصاحب الزريعة وعليه قيمة كراء الأرض والعمل.

                                                                                                                                                                                        قال ابن حبيب: وبه قال من المدنيين: مطرف، وابن الماجشون، وابن نافع. ومن المصريين: ابن وهب، وابن عبد الحكم، وأصبغ. [ ص: 4812 ]

                                                                                                                                                                                        قال الشيخ أبو الحسن -رضي الله عنه-: أما القول: إن جميع ذلك لصاحب الأرض، فلا وجه له; لأن المنع إذا كان لأن صاحب الأرض أكرى نصف أرضه بنصف البذر وهو بيع فاسد، فنصف البذر باق على ملك صاحبه ولم يكن فيه بيع، وهو بمنزلة من أكرى أرضه بثمن فاسد على أن العمل على مكتري الأرض، فإنه لا خلاف أن الزرع لصاحبه وللآخر إجارة مثل أرضه وعمله، ثم يختلف في النصف الآخر هل يكون لمن زرعه; لأنه بيع بيعا فاسدا وقبضه مشتريه فأفاته بعمله في أرضه، أو يكون لبائعه لأنه بيع فيه تحجير أن يزرعه معه ولا يبين به عنه فيزرعه في أرض أخرى؟ والأول أحسن، فيكون الزرع بينهما نصفين ويتراجعان; هذا بمثل نصف البذر والآخر بكراء نصف الأرض والعمل إن عملا جميعا كان النصف لصاحب البذر; لأنه بذره وعمله بيده.

                                                                                                                                                                                        ويختلف في النصف الآخر، فعلى رواية ابن القاسم يكون للعامل، وعلى رواية ابن غانم يكون لصاحب البذر. والأول أحسن; لأنه بيع فاسد فات بعمل مشتريه.

                                                                                                                                                                                        ولو كان صاحب البذر العامل وحده كان جميع الزرع له; لأن النصف عمله على ملكه، والنصف الآخر باعه بيعا فاسدا، وأفاته بنفسه ولم يفته [ ص: 4813 ] مشتريه.

                                                                                                                                                                                        وقال أحمد بن نصر الداودي: إذا أخرج أحدهما الأرض والآخر البذر والعمل، أو أخرج الأرض والبقر والعمل، أو الأرض والعمل، أو الأرض والبقر، والآخر البذر وما يحتاج إليه، فذلك جائز; لأنه إنما اشترى كل واحد منهما نصف ما أخرج صاحبه بنصف ما أخرجه الآخر.

                                                                                                                                                                                        والفرق عنده بين الشركة وكراء الأرض بنصف ما يخرجه ليس على وجه الشركة; لأنه في الكراء أكرى جميع الأرض ليزرعها المكتري على ملكه بنصف ما يخرج وهو لا يدري ما يخرج، فعاد الأمر إلى الغرر، وفي الشركة أكراه بنصف الزريعة يقبضها الآن ثم يزرعها لنفسه على ملكه فهو معلوم.

                                                                                                                                                                                        ومر في ذلك على أصله فيمن اكترى أرضا بطعام فذلك عنده جائز. قال: ويلزم من رأى أنها إذا أكريت بطعام ليزرعها بطعام، أنه الطعام بالطعام أن يدخل ذلك إذا اكتريت بالفضة والذهب فهو من اشتراء المجهول; لأنه يقل ويكثر.

                                                                                                                                                                                        يريد: أنه إذا قدر أن الذي تخرجه الأرض كان صاحب الأرض بائعه، أن يدخله في الوجه الآخر المجهول، وبيع الزرع قبل أن يبدو صلاحه. [ ص: 4814 ]

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية