الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        باب في إقرار أحد الشريكين في حال الشركة أو بعد الافتراق أو موت أحدهما

                                                                                                                                                                                        إقرار أحد الشريكين المتفاوضين لمن لا يتهم عليه جائز وإن أنكر شريكه. ويختلف إذا أقر لمن يتهم عليه، كالأب والابن والزوجة والصديق الملاطف، فقال مالك في "المدونة": لا يجوز إقراره. ويجري فيها قول آخر: أن إقراره جائز قياسا على إقرار من تبين فلسه لمن يتهم عليه.

                                                                                                                                                                                        وقد اختلف فيه والأمر فيهما سواء، بل الذي يفلس أبين في التهمة; لأنه ينتزع منه جميع ماله ويبقى محتاجا لا شيء له فيولج من ماله لمثل هؤلاء ليعيده إليه فيعيش به وليس التفرقة; لأن هذا يبقى في ذمته دين وجه، وإقرار أحدهما عندما أراد الآخر الافتراق والمفاصلة جائز. وإن افترقا ثم أقر أحدهما بدين أو ما أشبه ذلك، لم يقبل إقراره إذا طال الافتراق. [ ص: 4860 ]

                                                                                                                                                                                        ويختلف إذا أقر بقرب ذلك فادعى أنه نسي. وقد اختلف في العامل في القراض يدعي بعد المقاسمة أنه أنفق من مال القراض ونسي المحاسبة بها، فقال ابن القاسم في "المدونة": لا يقبل قوله.

                                                                                                                                                                                        وقال مالك في "كتاب محمد": يحلف ويكون ذلك له والشريك مثله.

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا أقر أحدهما بعد موت صاحبه. فجعله ابن القاسم في "المدونة" شاهدا ولم يقبل قوله، فقال: إذا قال الحي منهما رهنا هذا عند فلان، وقال ورثة الميت: بل أعطيته له بعد موت صاحبنا، قال: هو شاهد يحلف مع شهادته ويستحق.

                                                                                                                                                                                        وقال سحنون: القول قول الشريك ويلزم الورثة ما أقر به. وقال عنه ابن عبدوس: أرأيت لو كانا حيين فقال أحدهما قبل المفاصلة: علينا من الدين كذا وكذا، فليس يلزمهما جميعا، ثم قال: ألا ترى أن ابن القاسم يقول في العبد يحجر عليه سيده وقد كان مأذونا له فأقر بدين بعد ذلك أنه يلزمه، ثم ذكر المكاتب يقر بدين بعد العجز، وقال: والحاكم يقر بأنه حكم بعدما عزل، فلا يجوز إقراره ورآه مخالفا للأول. [ ص: 4861 ]

                                                                                                                                                                                        وفي المفلس يقر بدين بعدما فلس. وقول سحنون في هذا أصوب، وليس الموت كالافتراق; لأن الافتراق يكون عن محاسبة ومفاصلة، وقطع الدعاوي، والموت أمر طرأ قبل ذلك، وقد ولي كل واحد منهما أمرا ولا يعلم إلا من قبله، فلو لم يصدق لتلفت أموال الناس.

                                                                                                                                                                                        واختلف في العبد يحجر عليه بعد الإذن، والمكاتب يعجز، وأن يقبل قولهما أبين; لأن الإذن قد تقدم في التجر ولا يعلم ما كانا تصرفا فيه إلا منهما، وليس الشأن الإشهاد، فلو منعنا الإقرار لذهبت أموال الناس.

                                                                                                                                                                                        واختلف بعد القول ألا يجوز إقرار الحي، هل تجوز شهادته؟ وإذا لم تجز هل يغرم جميع ما أقر به أو ما ينوبه؟ فقال ابن القاسم في "المدونة": هو شاهد، فإن نكل المقر له كان له من هذا ما يخصه من الدين.

                                                                                                                                                                                        وقال محمد: إن لم يحلف كانت حصة الحي رهنا بجميع الحق. وهذا أصوب; لأن كل واحد من المتفاوضين ملزوم بجميع الحق، وإنما أجاز ابن القاسم ها هنا شهادته; لأنه لم ير عليه بعد النكول إلا نصف الحق فلم تجر شهادته نفعا [ولا دفع بها ظلما].

                                                                                                                                                                                        ويختلف في جواز شهادته بعد تسليم القول: إنه يغرم جميع ذلك الحق، وأن تجوز أصوب; لأنه في أداء شهادته من الأول غير متهم ولا ترد، وإذا أدت [ ص: 4862 ] إلى غرمه. وكذلك الحميل يشهد على من تحمل عنه إذا أنكر اختلف في جوازها، وأن تجوز أصوب; لأنه غير متهم.

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية