فصل [في حفر الآبار وما يجوز فيه]
حفر الآبار يجوز على ثلاثة أوجه: إجارة، ومقاطعة، وجعالة، فالإجارة والمقاطعة يلزمان بالعقد ويجوزان فيما يملك من الأرض وفيما لا يملك، والجعالة لا تلزم بالعقد، والمجعول له بالخيار بعد العمل على المشهور من المذهب، ويجوز فيما لا يملك من الأرض.
واختلف هل يجوز فيما يملك؟ وأجاز ابن القاسم فيما يملك والحفر مثله يجوز على هذا. الجعالة على الغراسة
تختلف باختلاف الأرض من الشدة واللين [ ص: 5000 ] وبعد الماء والمعرفة بذلك والجهل به، فإن كان المستأجر والأجير عالمين بصفة الأرض وبعد الماء جازت الإجارة على الإطلاق من غير شرط، فإن قال: أستأجرك على أن تحفر لي بئرا في هذه الأرض ولم يزد على ذلك جاز، إلا أن تختلف العادة في سعته فيذكر السعة. والإجارة على حفر الآبار
وإن كانا عالمين بصفة الأرض ويختلف بعد الماء لم يجز إلا مزارعة. وإن اختلفت صفة الأرض دون بعد الماء جاز إذا سموا للشديدة أجرة وللرخوة أجرة، فما حفر من كل صنف كان له بحسابه. وكذلك إن اختلف الوجهان: صفة الأرض، وبعد الماء، كانت الإجارة مزارعة حسب ما تقدم.
وإن كان للحافر جعله، وإن انهار قبل تمامه لم يكن له شيء. حفر على الجعل فلما تم انهار كل ما حفر
وإن حفر البعض ثم ترك لم يكن له شيء، فإن جعل فيه الجاعل لآخر جعلا فأتمه كان للأول أن يرجع على من جعله بقيمة عمله يوم أتمه الثاني، وسواء كانت القيمة الآن مثل جميع المسمى أو أقل أو أكثر. وهو [ ص: 5001 ] قول مالك وابن كنانة.
وكان الجعل الأول عشرة دنانير وقيمته يوم تم ديناران لم يكن له إلا ذلك; لأن الجعل لم يكن في ذمة الجاعل، ولو هلك الحفار لم يكن له شيء. وإن غلت أجرته فصارت أجرة ذلك النصف يوم تم عشرة، أخذها؛ لأن مصيبته منه فله نماؤه، وقد كان قول فإن حفر نصف البئر ثم ترك أن له قيمته يوم عمله، فسألا ابن القاسم فقضى مالكا لابن كنانة.