الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل [في كراء الأرض بجزء مما يزرع فيها]

                                                                                                                                                                                        واختلف في اكترائه بجزء بانفراده من غير زيادة أو بمكيلة مضمونة من جنس ما يزرع فيها على ثلاثة أقوال: فمنعه مالك في الوجهين جميعا. واختلف فيه عن الليث فأجازه مرة بالمكيلة ومنعه بالجزء، ومنعه مرة بالمكيلة وأجازه بالجزء. وهذا القسم يستوي فيه الطعام الذي تخرجه تلك الأرض; [ ص: 5115 ] كالقمح، والشعير، والقطاني، وما ليس بطعام، كالقطن، والكتان، والحناء.

                                                                                                                                                                                        وذكر ابن شعبان قال: واستئجار الأرض بالعروض التي تتولد عنها، مثل: الكتان، والعصفر، والخضر وما أشبه ذلك، ففيه قولان لأصحابنا، أحدهما: أنه لا يجوز. والآخر: أنه يجوز. أو بالحنطة، والشعير، والحبوب، وبالأول أقول وهو قول مالك.

                                                                                                                                                                                        وأما اكتراؤها بما تخرجه إذا اختلف الجنسان وكان ما تكرى به خلاف ما يزرع فيها، فعلى ثلاثة أقسام: إما أن يكونا طعاما جميعا، أو غير طعام، أو أحدهما طعام والآخر غير طعام.

                                                                                                                                                                                        فإن كانا غير طعام جاز، مثل: أن يكريها بقطن ليعمل فيها كتانا. ويجوز أن تكرى بغير طعام ليعمل فيها طعاما، كمن اكترى بقطن أو كتان ليعمل فيها حنطة أو شعيرا.

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا اكتريت بطعام ليعمل فيها طعاما أو غير طعام، واكتراؤها بطعام مخالف للطعام الذي يعمل فيها.

                                                                                                                                                                                        والطعام أربعة أصناف:

                                                                                                                                                                                        أحدها: ما لا يخرج منها كاللحم والعسل والسمن والملح.

                                                                                                                                                                                        والثاني: ما يخرج منها ويبعد أصل نباته، كالجوز، واللوز، والتين، والرمان، وما أشبه ذلك مما يكون على الشجر.

                                                                                                                                                                                        والثالث: ما لا يبعد، وهو حبوب تصح إعادته، كالقمح، والشعير، [ ص: 5116 ] والقطاني وغيرها.

                                                                                                                                                                                        والرابع: ما لا يصح إعادته ونباته، كبعض البقول والقصيل.

                                                                                                                                                                                        فمنع في "المدونة" اكتراءها بطعام لا يخرج منها كاللحم، والعسل إذا كان يعمل فيها طعاما وكان عنده بمنزلة من باع طعاما بطعام مستأخر.

                                                                                                                                                                                        ورأى أن ما أخرجت الأرض من الطعام كان صاحب الأرض بائعه. وأنكر هذا التعليل بعض أهل العلم، قال: ولو كان ذلك لما جاز أن تكرى بالذهب والفضة، ويدخله بيع الزرع قبل أن يخرج من الأرض، وبيع المجهول. وهذا إلزام صحيح، وليس هو ببائع لما تنبته الأرض.

                                                                                                                                                                                        ولو اكتراها بما لا تنبته من الطعام جاز، وقد روي ذلك عن مالك وقاله غير واحد من أصحابه.

                                                                                                                                                                                        وحكم ما تخرجه الأرض من ثمار ذوات الأصول حكم ما لا تخرجه; لأنه مما يبعد نباته وهو على حكم الأصل الذي ينبت فيه وهي الشجر، فإذا جاز كراؤها بالشجر جاز كراؤها بثمارها.

                                                                                                                                                                                        وقال ابن كنانة في "كتاب ابن حبيب": لا تكرى بشيء إن أعيد فيها [ ص: 5117 ] نبت، ولا بأس أن تكرى بغير ذلك من جميع الأشياء كلها، أكل أو لم يؤكل، خرج أو لم يخرج.

                                                                                                                                                                                        قال: وقال ابن نافع: تكرى بجميع الأشياء كلها بما يؤكل منها وما لم يؤكل، خرج منها أو لم يخرج، إذا كان ما تكرى به خلاف ما يزرع فيها ما عدا الحنطة وأخواتها.

                                                                                                                                                                                        قال الشيخ أبو الحسن -رضي الله عنه-: يختلف على هذا في كرائها بزريعة الكتان وبزيته، وبالكتان وبما يسقط منه كالأصطبة إذا كان كراؤها ليعمل فيها، فمنع ذلك ابن القاسم بجميع ما ذكر، وأجازه ابن الماجشون بما ليس عمدة فيما تكرى به كالأصطبة، وقد تلحق بذلك الزريعة وزيتها; لأنها حقيرة في جنب ما يعمل فيها وهو الكتان، ويجوز على قول ابن كنانة بالكتان وبزيته مما لا يعاد فيها، ولا يجوز بزريعته. [ ص: 5118 ]

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية