باب فيما يصح من الكراء ويفسد
وقال ابن القاسم فيمن فالكراء فاسد. اكترى دابة ليشيع عليها رجلا ولم يسم الموضع،
يريد: إذا لم تكن لهم في ذلك عادة، فإن كانت عادة كان الكراء جائزا، وحمل على العادة في الموضع الذي يشيع إليه الناس. والعادة في تشييع الحاج بمصر إلى الجب، وبالمدينة إلى الشجرة، وكل من له في ذلك عادة حمل عليها. وقال ابن القاسم: كان الكراء فاسدا إلا أن يكون قوما قد عرفوا ما يحملون بينهم. وقال غيره: يجوز إذا سمى طعاما أو بزا أو عطرا ويحمل عليها حمل [ ص: 5146 ] مثلها. إن اكترى دابة إلى موضع ولم يسم ما يحمل عليها
وإن قال: أحمل عليها حمل مثلها مما شئت لم يجز; لأن الحمل يختلف، فمنه ما هو أعطب لظهورها. قال: وكذلك إذا تكاراها إلى بلد -أي البلدان شاء- يركبها شهرا; لأن منها الوعر الشديد، والسهل، وكذلك الحوانيت والدور، وكل ما اختلف حتى يتباعد فلا خير فيه.
قال الشيخ أبو الحسن -رضي الله عنه-: فعلى من اكترى دابة أن يسمي جنس ما يستعملها فيه، وقدره، والبلد الذي يسافر بها إليه وإلا كان فاسدا. فإن سمى قدر ما يستعملها فيه دون جنسه لم يجز، فقد يتفق الوزن، ويختلف الكراء لاختلاف المضرة، وكراء الكتان والرصاص مختلف، وإن استوى الوزن. الكراء بيع من البيوع يمنع فيه الغرر كما يمنع في البيوع،
واختلف إذا سمى الجنس دون القدر، فمنعه ابن القاسم، وأجازه غيره [ ص: 5147 ] ويحمل عليها حمل مثلها، والأول أحسن، وليس كل أحد من المتكاريين يعرف قدر حمل دابته غيره.
وإن كان فاسدا، وكذلك إذا ذكر المدة دون الناحية إلا أن تكون تلك النواحي متساوية أو متقاربة في السهولة والأمن. وإن سمى البلد ولم يضرب أجلا جاز، وإن جمع بين تسمية البلد، وأن يكون الوصول في مدة مسماة، ولا يدري هل يصل فيها أم لا؟ كان فاسدا، ويختلف إذا كان الغالب الوصول فيها. استأجرها ليسافر عليها ولم يذكر المدة ولا الناحية
وإن استأجرها ليطحن عليها وله عادة في صنف معروف جاز، وإن كانت العادة عندهم مرة شعيرا ومرة قمحا ومرة أرزا، وكانت الإجارة على ذلك عن كل واحد بانفراده سواء أو متقاربا- جاز، وإن تباين لم يجز إلا أن يسمي الصنف.
وأجاز في "المدونة" أن ابن القاسم لأن نحو ذلك عندهم معروف. ولو كان قوم لم تتقدم لهم بذلك عادة لم يجز. يستأجر الدابة ليطحن عليها باليوم وإن لم يسم ما يطحن عليها في ذلك اليوم;
وإن استأجرها ليطحن عليها أرادب مسماة ولم يذكر الأيام التي يطحن فيها- جاز. [ ص: 5148 ]
واختلف إذا سمى الأيام والمكيلة التي يطحن في تلك الأيام، فقال فيمن استأجر دابة ليطحن عليها كل يوم إردبين بدرهم فوجدها تطحن إردبا- كان له أن يردها وعليه في الإردب الذي طحنت نصف درهم. فأمضاه بالمسمى، وقيل: لا يجوز أن يجمع بين تسمية الأيام وتسمية الأرادب التي يطحن فيها، وإنما يجوز على تسمية أرادب ولا يذكر الأيام التي يطحنها فيها أو على تسمية أيام، ولا يذكر ما يطحن فيها. ابن القاسم
وأجاز في "المدونة" أن ابن القاسم وإن كانت الحوائج تكثر مرة وتقل أخرى; لأن ذلك ضرورة ولا يقدر على تعيين ما يحتاجها فيه. يستأجر الدابة شهرا على أن يركبها في حوائجه متى شاء من ليل أو نهار،
وأجاز [ ص: 5149 ] الحانوت ولا لعيال من يسكن الدار. كراء الحوانيت والدور على الإطلاق من غير مراعاة لصنعة مكتري
وعلى قول غيره لا يجوز إلا بعد المعرفة بذلك; لأنه سوى بينهما وبين الطرق في الشدة والسهولة، وأرى إذا كان الحانوت في سوق لصناعة معروفة أن يجوز; لأن المقصود تلك الصناعة حتى يذكر غيرها، فإن لم يكن في سوق معروف بصناعة وأمكن أن تكرى لما يغير الحيطان ويفسدها لم يجز، إلا أن يبين لماذا يكتريها.
وأما الديار فالأمر فيها أخف، ومحمل الناس على الوسط من العيال، فإن تبين أن هذا المكتري كثير العيال والغاشية، كان للمكري في ذلك متكلم.
وقال في مشاة اكتروا إبلا على حمل أزوادهم وشرطوا أن من مرض منهم حمل على تلك الإبل: لم يجز. وإن شرطوا عقبة أحدهم جاز. ابن القاسم
يريد: لأن العقبة أمر ثابت يركبها كل يوم ولها قدر يقصده الناس، [ ص: 5150 ] بخلاف شرط من مرض; لأنه أمر لا يدرى هل يحتاج إليه أم لا؟ وإن احتاج إليه هل يقل أو يكثر؟