الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        باب في العامل يتعدى في القراض الفاسد

                                                                                                                                                                                        قال الشيخ -رحمه الله-: قد تقدم القول إذا قارض بعرض وأمره أن يبيع بعين فتعدى العامل فباعها بعروض، وقول ابن حبيب في ذلك.

                                                                                                                                                                                        وأما إن كان القراض بعين وأمره أن يشتري به عبد فلان فالقراض فاسد، فإن خالف فاشترى غيره لنفسه بعد أن امتنع سيد العبد من بيعه منه، كان الربح للعامل.

                                                                                                                                                                                        وإن كان تجره لنفسه قبل طلبه ومعلوم أنه كان يبيعه منه أو بعد أن طلبه أو أمكنه من شرائه، كان الربح للقراض. وإن أطلق له الشراء في جميع الأصناف على أن يبيع بالنسيئة فخالف وباع بالنقد كان على قولين: على قول أنه يكون في المشتري لو لم يبعه على قراض المثل يمضي بيعه، ولا يرد وإن لم يفت ولا يكون عليه ضمان إن ضاع الثمن; لأن الحكم على القول أنه يرد إلى قراض المثل أن يباع بالنقد ولا يوفي بذلك الشرط.

                                                                                                                                                                                        وإن كان في الثمن ربح كان فيه على قراض مثله وإن لم يكن فضل لم يكن له شيء، وعلى القول أنه يكون في المشتري أجيرا يكون في بيعه متعديا; لأنه لو علم به قبل البيع لأعطاه إجارة المثل في الشراء ولم يمكن من البيع، وإذا كان الحكم ألا يمكن من البيع كان متعديا في البيع وكان صاحب المال بالخيار بين أن يجيز البيع ويأخذ الثمن ويعطي إجارة المثل عن الشراء والبيع، أو يضمنه ويعطي الإجارة عن الشراء [ ص: 5287 ] دون البيع.

                                                                                                                                                                                        وهذا الجواب على أصل مالك وابن القاسم وقال غير ابن القاسم في "المدونة": هو متعد، وهو بمنزلة رجل أخذ مالا على أن يشتري صنفا غير موجود فذلك قراض لا يجوز، فإن اشترى غير ما أمر به كان متعديا، ويكون الفضل فيه إن كان لرب المال، وإن كانت وضيعة فعليه، ويعطى من الفضل على قراض المثل; لأني إن ذهبت أعطيه أجر مثله وقد تعدى فلعل أجر مثله يذهب بالفضل وببعض وبنصف رأس المال، فيكون قد نال بتعديه وجه ما طلب.

                                                                                                                                                                                        ولا وجه لهذا القول لأنه إن كان الحكم عنده أن يكون الذي اشتراه قبل البيع على قراض المثل فالبيع جائز ولا يكون فيه متعديا.

                                                                                                                                                                                        وإن كان الحكم أن يكون أجيرا كان له أجر المثل في الشراء وهو متعد في البيع، وصاحب المال بالخيار بين أن يجيز تعديه ويعطيه الأجر في البيع أو يضمنه القيمة ولا أجر له في البيع، ولا يكون تعديه فيما أصله الإجارة مما يرده في أصل الشراء إلى قراض المثل; لأنه لم يكن يستحقه في ذلك المشترى، وهذا الجواب فيما إذا أمره ألا يبيع إلا بالنسيئة.

                                                                                                                                                                                        وأما إن أخذ المال ليشتري شيئا غير موجود فاشترى غيره لنفسه لأنه لم يجد ذلك الصنف، كان الربح له، وإن اشتراه على القراض كان صاحب المال بالخيار بين أن يجيز شراءه، أو يكون فيه على قراض المثل، أو يضمنه رأس المال وتكون السلع للعامل. [ ص: 5288 ]

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية