باب في الاختلاف في القراض
قال الشيخ -رحمه الله-: الاختلاف في القراض في تسعة مواضع: في ضياعه، وفي رده، وفي الجزء الذي يأخذه من ربحه، وفي القدر الذي ربحه، وفي قدر رأس المال، وهل هو بضاعة أو قراض (أو اختلفا هل هو قرض أو قراض) ؟ وفي الصحة والفساد.
فإن اختلفا في تلفه فقال العامل: ضاع أو سقط مني، أو نزل علي فسرق، أو لقيني اللصوص فانتزعوه مني، أو غرق أو ما أشبه ذلك، كان القول قول العامل في جميع ذلك; لأنه أمين، والأمين مصدق في أمانته مأمونا كان أو غير مأمون; لأن رب المال رضيه أمينا.
واختلف في يمينه، وأرى أن يحلف إن كان غير مأمون، فإن كان ثقة لم يحلف إلا أن يكون هناك دلائل التهم، فإن قام دليل على كذبه لم يصدق وأغرم وإن كان عدلا. وإن اختلفا في رده وكان أخذه بغير بينة كان القول قوله مع يمينه وإن كان ثقة; لأن رب المال يدعي عليه التحقيق أنه لم يرد بخلاف دعوى التلف; لأنه لا يقطع بكذبه في التلف وهي أقوى تهمة، وإن أخذه ببينة لم يقبل قوله في رده.
وهذا قول في المدونة، وقال في كتاب [ ص: 5301 ] محمد فيمن اكترى ما يغاب عليه، ثم ادعى رده كان القول قوله بيمينه أخذه ببينة أو بغير بينة. قال ابن القاسم محمد: وهو الصواب; لأنه لو كان يلزمه الضمان إذا كانت البينة على أخذه ما جاز الكراء; لأنه لا يحل الكراء بالضمان، وعلى هذا يكون القول قول العامل في رده وإن كان أخذه ببينة، وهو في القراض أولى؛ لأنه على الأمانة بغير خلاف.
ولو دخل على غير ذلك لكان فاسدا، ويجوز ذلك في الوديعة; لأنه معروف صنعه مع ربها في حفظها، ويكون ضامنا إن لم يشهد على الرد، والقراض مبايعة في المنافع ومعاوضة. والأول أحسن؛ لأنه قادر على أن يشهد على الرد، ولا ضرر عليه في ذلك بخلاف التلف، ولو شرط أنه غير مصدق فيه لكان فاسدا; لأنه أمر لا يقدر على الاحتياط فيه بالبينات.
وقال ابن القاسم: لم يصدق. وينبغي أن يقبل قوله، وكذلك إذا قال: هذا ربحي، وكما لو قال: رددت بعض رأس المال، ولا فرق بين قوله: رددت بعض [ ص: 5302 ] رأس المال أو جميعه دون الربح، أو لم أربح شيئا، أو ربحت وسلمت إليك رأس المال ونصيبك من الربح. إذا قال العامل: رددت رأس المال والذي معي ربح، وكذبه الآخر،
وقد قال في "كتاب محمد" في المساقي يقول بعد جذاذ الثمرة لصاحب الحائط: قد دفعت إليك نصيب الحائط، فالقول قول العامل وإن كان يقول: هذا الذي في يدي نصيبي، فكذلك القراض. مالك
فإن كان لم يعمل، كان القول قول صاحب المال; لأن له أن ينتزعه منه، فإن أحب الآخر أن يعمل على الثلث أو يرده. وإن اختلفا في الجزء، فقال العامل: أخذته على النصف. وقال الآخر: على الثلث،
فإن اختلفا بعد العمل، كان القول قول العامل إذا أتى بما يشبه إذا كان المال في يديه، وإن سلمه لرب المال ليستوفي رأس المال ونصيبه من الربح كان القول قول صاحب المال، وإن سلمه ليبقى موقوفا حتى يسلم رأس المال ثم يقتسمان الربح، كان القول قول العامل.
فإن قال رب المال: بضاعة بأجرة كذا وكان نصف الربح والأجرة التي قال الآخر سواء، لم تكن هناك يمين؛ لأن اختلافهما غير مفيد. وإن كانت الأجرة أقل من نصف الربح حلف العامل وحده وكان له النصف إذا كان يشبه أن يقارض النصف، فإن نكل حلف الآخر ودفع الإجارة. وإن اختلفا في الصفة التي دفع عليها، فقال رب المال: بضاعة، وقال العامل: قراضا على النصف،
وإن قال صاحب المال: بضاعة بغير أجرة، كان القول قول صاحب المال إذا كان (مثل) المبضع معه لا يستعمل نفسه في القراض، أو كان مثل تلك [ ص: 5303 ] البضاعة لا تدفع قراضا ليسارتها.
واختلف إذا أشبه أن يستعمل في القراض وكانت الإجارة أقل من نصف الربح، فقال القول قول صاحب المال مع يمينه. ابن القاسم:
وقال محمد: يحلفان جميعا ويعطى العامل إجارة المثل. وإن قال العامل: بضاعة بأجرة، وقال صاحب المال: قراضا، كان القول قول العامل مع يمينه.
قاله لأن العامل يقول: عملت على الإجارة في الذمة، والآخر يقول: على الجعالة. وإن قال صاحب المال: وديعة، وقال الآخر: قراضا وقد ضاع المال، فإن ادعى ضياعه قبل أن يحركه لتجارة كانت مصيبته من صاحبه؛ لأنهما متفقان أنه كان أمانة فلا يفيد خلافهما حينئذ. وإن تجر فيه، كان القول قول صاحبه أنه لم يأذن له في التجر به ويضمنه. ابن حبيب;
واختلف إذا قال صاحب المال: قرضا، وقال الآخر: قراضا، فقال مرة: القول قول صاحب المال، وقال مرة: القول قول العامل وبالأول قال مالك وقال ابن القاسم. القول قول القابض إذا ضاع قبل أن يحركه والقول قول صاحبه إن ضاع بعد أن تجر فيه. فجعل أشهب: مرة القول قول العامل. مالك
وإن حركه لاتفاقهما على أنه مأذون له في حركته، فرب المال يقول: حركته لنفسك، والآخر يقول حركته على أنه باق على ملكك ولم ينتقل; [ ص: 5304 ] بخلاف إذا قال صاحب المال: وديعة وقال الآخر: قراضا; لأنه لم يقر له بحركته على حال فأشبه من قال: أودعتك هذه السلعة (وقال الآخر: أذنت لي في بيعها.
وإن كان القول قول العامل; لأن الآخر يقول: بعتني منافعك، فكان القول قول العامل أنه لم يبعها. قال صاحب المال: قراضا) وقال الآخر: وديعة أو قرضا وفي المال ربح
وتقدم في أول الكتاب إذا ادعى أحدهما الصحة والآخر الفساد، وفي "كتاب الوديعة" إذا قال صاحب المال: قراضا، وقال الآخر: وديعة.