فصل [فيما يصح فيه التحكيم]
والتحكيم يصح في الأموال وما في معناها، قال ولا ينبغي التحكيم في لعان ولا في إقامة حد، وإنما ذلك لقضاة الأمصار العظام. سحنون:
وقال -في كتابه-: أصبغ لأن هذه الأشياء إلى الإمام، ولو مكن من نفسه فقال اضربني حدك، أو خذ قودك لم يصلح إلا بالإمام وكذلك النفس، وأما الجراح فلا بأس أن يستقيد منه، إذا أقاد الآخر من نفسه وكان بائنا عن السلطان، قال: فإن حكماه فيما ذكرنا أنه لا يحكم فيه بحكم، فإنه ينفذ له حكمه، ويأخذ له السلطان بقوله، أو يقيم حدا وينهاه عن العودة لمثل هذا، فإن أقام ذلك بنفسه، فقتل أو اقتص أو ضرب الحدود، ثم رفع إلى السلطان أو الحاكم، أمضى ما كان صوابا، وكان المحدود بالقذف محدودا، والتلاعن ماضيا. ولا يحكم في قصاص ولا قذف ولا طلاق، ولا عتاق ولا نسب ولا ولاء;
قال الشيخ: منع التحكيم في هذه الأشياء ابتداء أحسن؛ لأن منها ما [ ص: 5339 ] يتعلق فيه حق لغير الخصمين إما حق لله عز وجل وهو الطلاق والعتق، أو لآدمي وهو الولد، إذا كان التلاعن بنفي الحمل، والولاء والنسب؛ لأن فيه حقا لمن يأتي بعد، فإن حكما في طلاق أو عتق، منع من الحكم لإمكان أن يحكم ببقاء الزوجية أو العبدية، ولو رفع ذلك إلى من أقيم للناس فرأى الطلاق والعتق، ورفع يد الزوج والسيد؛ لأنه حق من حقوق الله -تعالى- ولا يجوز رضى الزوجة بالبقاء معه ولا العبد بالرق، أو يكون الأمر من عند الأول الفراق والعتق، والأمر من عند الآخر البقاء، فلا يجوز إباحة الزوجة لغير ذلك الزوج، ولا يجري العبد على أحكام الحرية من الموارثة والشهادات، وذلك حق لله -تعالى- وإن شركه حق لآدمي، وكذلك اللعان لنفي الحمل للولد، حق في الكشف عما يوجب إسقاط نسبه، والنسب والولاء فيه حق لمن يصير ذلك إليه، من غير أن يحكم إن قطع، وحق لهم إن لحق بهم من ليس منهم. [ ص: 5340 ]
وأرى إذا فات ذلك بالقضية ممن حكم، أن يرفع الأمر إلى من أقيم للناس إذا كان عدلا. فإن كان فعل الأول حقا أمضاه وإلا رده، ولا يكون تراضي هذين فيما يترامى إلى غيرهما، أو يتعلق به حق لغيرهما على المضي من غير كشف.
وإن حكم أحد الخصمين الآخر، جاز أيضا إذا كان المحكم عدلا ومن أهل الاجتهاد، أو عاميا واسترشد العلماء، وهو ها هنا أشد تخاطرا، إذا دخلا على الحكم بالجهل بموجب العلم، أو كان غير عدل منه إذا كان المحكم أجنبيا.