فصل [في تجريح البينة وما يوجب سقوطها]
وإن كان الحكم انعقد ببينة شهدت عنده، فأراد المحكوم عليه تجريحها، أو ما يوجب سقوطها كان ذلك له، وذلك على ستة أوجه: إما أن يجرحها، أو يثبت أن بينها وبين المشهود له قرابة أو زوجية أو مصاهرة، أو بينها وبين المشهود عليه مصارمة أو عداوة، أو أن أحد البينة عبد أو نصراني أو مولى عليه، فإن أثبت تقدم جرحتهما كان فيها قولان: فقال -في كتاب الشهادات: أن ينقض الحكم. وقال -في كتاب الحدود-: يمضي، وبه أخذ مالك سحنون.
وعلى هذا يجري الجواب إذا أثبت أن بينه وبينها عداوة، أو بينها وبين المشهود له قرابة مما ترد الشهادة فيه من أجل التهمة، فإن أثبت أنهما أو أحدهما عبد نقض الحكم، وهذا قول وأصحابه، ولو قيل أنه يمضي لكان له وجه، بل هو أولى من إمضائه إذا أثبت الجرحة; لأن مالك غير جائزة باتفاق، شهادة الفاسق مختلف فيها. وشهادة العبد
وحكي عن -رضي الله عنه- إجازتها، وأجازها علي بن أبي طالب أنس وشريح [ ص: 5353 ] وزرارة بن أبي أوفى وأجازها وابن سيرين، الحسن في الشيء اليسير. وحكى وإبراهيم عن القاضي أبو الحسن علي بن القصار، أحمد وإسحاق وأبي ثور وداود: أنها تقبل في جميع الأشياء كالحر.
وإمضاء للاختلاف في جوازها ابتداء أولى من إمضائها بالمسخوط، مع ورود القرآن والإجماع بمنع قبولها ابتداء. وقد قال الحكم بشهادة العبد العدل، في مسائل من النكاح والبيوع ينزل الأمر فيها على خلف رأيه، وموافقا لقول غيره أنه يمضي ولا يرد. مالك
ويختلف إذا ثبت أنهما أو أحدهما مولى عليه، هل ينقض الحكم؟ ففي كتاب أنه ينقض، والنقض في هذا أبعد منه في العبد، وقد قال ابن سحنون وغيره من أصحابه: أن شهادة المولى عليه تجوز ابتداء وهو أحسن; لأنه حر مسلم عدل، فوجب أن تمضي شهادته ولا ترد؛ لجهله بتدبير ماله، وإن أثبت أنه نصراني رد الحكم، وقال مالك -في المجموعة في عبد الملك قال يحد الزاني ويسقط الحكم عن [ ص: 5354 ] القاذف. يعني تسقط جرحته، قال: ولو كان حقا غير الزنا وقام به المقضي عليه، لم يقبل منه بعد الحكم; لأن الزنا حق لله -تعالى- لا بد أن يقام به على المشهود عليه، فإذا حد سقط عن القاذف حكم القذف، ولو كانت الشهادة أن حاكما جلده مائة جلدة، لم تسمع منه بينته; لأنها لا توجب الآن على المشهود عليه حدا. يريد أنه لا يتعلق بشهادتهما بعد الحكم الأول عليه شيء. رجل قذف رجلا، فحد القاذف بعد الإعذار، ثم أتى بأربعة عدول يشهدون على المقذوف، أنهم رأوه يزني قبل القذف-:
ومثله لو شهدت بينة أن البينة المحكوم بها سرقت فلم تقطع، أو شربت ولم تحد، أو حاربت ولم تنف، أو ما أشبه ذلك مما يتعلق به الآن حق لله -سبحانه- نقض الحكم قولا واحدا. وإن كان قد أقيم عليه الحد لم ينقض على أحد القولين.
واختلف أيضا إذا كانت بالإسفاه، أو شرب خمر أو غيره، فقيل: ذلك له، وقال القضية على غائب، ثم قدم فطلب أن يجرح تلك البينة ليس له ذلك إلا أن يثبت أنهم على غير الإسلام، أو أنهم عبيد أو مولى عليهم. والأول أحسن، والغائب موقوف على حجته، في كل ما لو كان [ ص: 5355 ] حاضرا فأثبته لم يحكم عليه فيه. وقد اختلف عن ابن الماجشون: في الحكم على الحاضر، وإن كان بعد الإعذار إليه فكيف بالغائب؟ مالك