الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل [ في التجريح والتزكية سرا]

                                                                                                                                                                                        التزكية تقبل في السر، واختلف في قبولها علانية، فأجاز ذلك في الكتاب. ومنعه عبد الملك بن الماجشون، وهو أحسن; لأن الناس يتقون أن يذكروا في العلانية شيئا مما يعلمون؛ خيفة العداوة، فإذا سئل سرا أخبر بغير ذلك.

                                                                                                                                                                                        وأما الجرح فيقبل سرا وعلانية، ولا يقبل التعديل بيسير المعاملة والمخالطة، ويقبل ذلك في الجرح من غير مخالطة، فقد يمر به فيطلع منه أو يسمع ما يسقط عدالته، ويحتاج التعديل إلى ثلاثة أوجه: أحدها موضع المعدل من العدالة والمعرفة والبلد، والثاني: المخالطة التي بينه وبين المعدل. والثالث: صفة الشاهد في التفقه والصدق. [ ص: 5376 ]

                                                                                                                                                                                        فأما المعدل فقال سحنون: لا يجوز التعديل إلا من المبرز الناقد الفطن، الذي لا يخدع في عقله، ولا يستزل في رأيه. وقال ابن كنانة: لا تقبل تزكية الأبله، ولا من يرى تعديل كل مسلم يلزمه.

                                                                                                                                                                                        فأما المخالطة فإنه لا يقبل التعديل بيسير المخالطة; لأنه محتاج إلى معرفة ظاهره وباطنه، ولا يدرك ذلك إلا بعد طول المخالطة; لأن شأن الناس تزيين الظاهر وكتمان عيوبه.

                                                                                                                                                                                        قال محمد بن المواز: لا يقبل ذلك حتى تطول المخالطة، ويعلم باطنه كما يعلم ظاهره. يريد يعلم باطنه في غالب الأمر، ليس على أنه يقطع بذلك.

                                                                                                                                                                                        وقال سحنون: لا يزكي إلا من خالطه في الأخذ والإعطاء، فطالت صحبته إياه في السفر والحضر.

                                                                                                                                                                                        قال الشيخ: إذا علم منه بعد المخالطة اجتناب الكذب، واجتناب الكبائر والوفاء بالأمانة، جاز أن يعدله، وإذا قال المعدل: هو عدل رضى صحت [ ص: 5377 ] العدالة.

                                                                                                                                                                                        . واختلف إذا اقتصر على إحدى الكلمتين، فقال: عدل. أو قال: رضى. هل يكون ذلك تعديلا أم لا؟ والمسألة على وجهين: فإن قال إحدى الكلمتين ولم يسأل عن الأخرى، فهو تعديل; لأن العدل ممن يرضى للشهادة، والرضى عدل، وقد ورد القرآن بقبول شهادة من وصف بإحدى الكلمتين، وإن وصفه المعدل بإحدى الكلمتين فسئل عن الأخرى فوقف، كان ذلك ريبة في تعديله، ويسأل عن السبب في وقوفه، فقد يذكر وجها لا يقدح في العدالة ويذكر وجها يريب فتوقف عنه.

                                                                                                                                                                                        وقال في كتاب محمد: إذا قال اختبرته وعاملته فما علمت إلا خيرا، أو قال: إنه لرجل صالح فاضل، وهو ثقة لا يكون ذلك تزكية، حتى يقول: هو عدل، أو أراه عدلا.

                                                                                                                                                                                        قال الشيخ: إذا كان المسئول يعلم الوجوه التي تصح بها العدالة وعلم أن السؤال عن هذا الرجل؛ لتمضى شهادته، فقال ذلك فهي عدالة، وقد أخرج البخاري ذلك في باب العدالة في قول بريرة: (لا أعلم إلا خيرا). غير أن ضرب المسئول عن قوله عدل أو رضى إلى هذا اللفظ اليوم ريبة، وقد قال كذا. [ ص: 5378 ]

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية