الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل [في انفراد النساء بالشهادة فيما يقع بينهن مما لا يجوز الانفراد به]

                                                                                                                                                                                        اختلف في شهادة النساء بانفرادهن، فيما يقع بينهن في العرس والمأتم والحمام، من الجراح والقتل. فذكر ابن الجلاب في ذلك قولين: الجواز والمنع. فالجواز قياسا على شهادة الصبيان; لأنه مما تدعو إليه الضرورة، فيجوزان وإن لم تكونا عدلتين; لأنه موضع لا يحضره العدول.

                                                                                                                                                                                        وأرى أن يقسم معهما في القتل، والمنع أولى; لأن النساء يتهمن أن يرمين بذلك من لم يجز، وليس قول المرأة من أولى على الصدق فإذا لم تحمل على الصدق فإنه يختلف هل يقسم معهن في القتل؟ وتحلف إن جرحت وتقتص، وإن عدل منهما اثنتان اقتص له في القتل بغير قسامة، واقتصت في الجراح بغير يمين; لأن شهادة اثنتين فيما لا يحضره غيرهن كالرجلين فيما يحضره الرجال.

                                                                                                                                                                                        وأجاز محمد في المرأة تدعي على زوجها أنه بنى بها وأرخى الستر [ ص: 5433 ] عليها، شهادة امرأتين ويمينا؛ لما كان ذلك مما لا يطلع عليه إلا النساء، والزوج يدعي المعرفة، وقد قيل في هذا الأصل: لا يمين عليها، والمرأتان كالرجلين، ولا يقضى بشهادة امرأة واحدة في الأموال; لأنها ربع شهادة.

                                                                                                                                                                                        ويختلف فيما لا يطلع عليه إلا النساء فقال محمد: لا يلطخ بشهادة امرأة واحدة شيئا، لا في قتل ولا رضاع ولا استهلال، ولا حيض ولا حمل، ولا في عيب ولا في غير ذلك من جميع الأشياء، أقل من امرأتين.

                                                                                                                                                                                        وقد اختلف في جميع ذلك، فأجاز أشهب القسامة مع المرأة الواحدة في العمد والخطأ، ورآها لطخا وليس بالبين. ولا أرى أن يراق دم امرئ مسلم بقول امرأة، وهو في الخطأ أبين أن لا تجوز؛ لأنها شهادة على مال.

                                                                                                                                                                                        وأجاز ابن القاسم في كتاب النكاح الثاني بشهادة امرأة واحدة على الرضاع. وأجازها مالك في كتاب محمد إذا فشا عند المعارف والأهلين. [ ص: 5434 ]

                                                                                                                                                                                        وقد أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بالفراق بقول امرأة أنها أرضعت، وإن لم يعرف ذلك من قولها قبل، فهو في هذا أبين. وحلف ابن القاسم السيد بشهادة امرأة واحدة، على أمته أنها ولدت منه، إذا شهد شاهدان على الوطء، قال: لأنها لو أقامت امرأتين، ثبتت الشهادة على الولادة، فإذا قامت امرأة حلف. يريد أن شهادة امرأتين في هذا الموضع بمنزلة شهادة رجلين في غيره، وعلى هذا أن شهادة امرأة واحدة نصف شهادة، يحلف بها السيد كما يحلف على شهادة رجل في غيره.

                                                                                                                                                                                        وعلى هذا إن شهدت امرأة واحدة على الاستهلال، حلف من قام بشهادتها واستحق، وأدنى منازل شهادتها أن يحلف المنكر للشهادة، إذا قالت الأمة: إنه علم، وإن شهدت امرأة على الحبل، حلف المشتري ورد، وإن شهدت على الحيض، وكانت الشهادة بعد أن انتقلت إلى الطهر، حلف البائع وسلمها واستحق الثمن، ولا يصيبها المشتري، ويحال بينه وبينها إذا كان قد [ ص: 5435 ] كذب الشهادة حتى تحيض، وكذلك العيب إن شهدت امرأة أن بها عيبا، في موضع لا يطلع عليه الرجال حلف ورد.

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية