الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل [في الشهادة بمال ونكول المشهود له عن اليمين]

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا شهد شاهد بمال، فنكل المشهود له عن اليمين، وحلف المطلوب، ثم وجد الطالب شاهدا آخر بمثل ذلك الحق. فقال محمد: يستأنف الحكم ويحلف مع هذا الثاني، وإلا رد اليمين فيحلف المدعى عليه ثانية. قال: لأن يمين المدعي لو حلف مع شاهده الأول، يحلف أن له هذا الحق عليه، وأن الذي شهد له به شاهده حق، فإن نكل حلف المطلوب ما له عليه ما ادعاه ، وأن الذي شهد به شاهده لباطل.

                                                                                                                                                                                        وقال ابن الماجشون -في كتاب ابن حبيب عن مالك عن هذا -: أن الشهادتين تضمان ويقضى بهما وتبطل يمين المطلوب. وذكر ابن كنانة عن مالك: أنه قال: لا يضم الثاني إلى الأول، ولا يحلف مع الثاني؛ قال لأن يمينه كانت قائمة مقام الشاهد، فلما أبى أن يحلف لم يكن له أن يرجع فيحلف ويأخذ بها.

                                                                                                                                                                                        فرأى محمد أن المدعي يحلف لقد صدق الشاهد، وإذا رد اليمين حلف الآخر لقد كذب الشاهد، وإذا حلف على تكذيبه لم يصح أن يرجع فيأخذ به. [ ص: 5510 ]

                                                                                                                                                                                        ورأى ابن كنانة أن يمين الدعي كانت على الوجهين، لقد صدق الشاهد وأن الذي أدعيه حق، فلما نكل حلف المدعى عليه، على تكذيبه في الوجهين جميعا ، أن الشاهد شهد بباطل وأن دعواك باطلة، فلم يصح أن يحلف مع الثاني؛ لأنه إن حلف يحلف أن الشاهد شهد بحق وأن دعواي حق، والمطلوب يقول قد تقدمت يميني، أن دعواك كانت باطلا، فلا يصح أن ترجع وتحلف، أنها حق بعد ما حلفتني أنها كذب، فلا يأخذ هذا الحق إلا بشاهدين غير الأول. ويختلف إذا كان لطخ من غير شاهد، فحلف المدعى عليه، ثم وجد المدعي شاهدا، فقول ابن القاسم وغيره: أنه يحلف مع الشاهد ويستحق. وقول ابن كنانة في كتاب ابن حبيب: ليس ذلك له. قال: لأنه لا يسقط يمينا قد درأ بها حقا بيمينه مع شاهده، ولكن إن أتى بشاهدين.

                                                                                                                                                                                        قال الشيخ : وقوله في هذا ضعيف وليس كالأول؛ لأن الأول كان له أن يحلف فنكل، والمدعي ها هنا غير قادر على اليمين ولم ينكل، فأشبه الشاهد على الطلاق، فحلف الزوج ثم وجد شاهدا آخر، فإنه يضم إلى الأول قولا واحدا؛ لأن المرأة لم تنكل، والصواب في الجميع أن تضم الشهادتان، والبينة العادلة أولى من اليمين الفاجرة. [ ص: 5511 ]

                                                                                                                                                                                        وكذلك إن شهد شاهد بعتق، فحلف السيد ثم وجد آخر ضم إلى الأول، وقضى بالعتق كالطلاق، وكذلك إن شهد شاهد بصدقة، أو حبس على الفقراء، أو شهد لصغير، فحلف المشهود عليه في جميع ذلك، ثم شهد آخر بمثل ذلك، تضمان ويقضى بهما، وكذلك كل موضع لم ينكل المشهود له عن الأول، إلا أن يفسد الشاهد الأول، فلا يقضى به الآن، إلا أن يكون قد حكم القاضي للصغير، وأوقف الأمر ليكبر ويحلف، فلا تسقط شهادته بجرحة حدثت، بخلاف الشاهد على الطلاق.

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية