الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        باب فيمن شهد بحق لنفسه ولغيره، والشهود يشهد بعضهم لبعض، ومن شهد على رجل في مال في يديه أنه أقر أنه لفلان

                                                                                                                                                                                        اختلف فيمن شهد في وصية لنفسه ولغيره، فقيل: يبطل جميعها; لأنه إذا اتهم في بعضها رد جميعها. وقيل: يسقط ما يخصه منها، ويمضي ما يخص غيره. وقيل: إن كان الذي يخصه يسيرا مضت له ولغيره، وإن كان له قدر وبال رد جميعها. وقال مالك -في المبسوط-: إذا شهد الموصى له جازت شهادته لغيره، يحلفون معه ويستحقون، وإن شهد معه آخر جازت شهادتهما لأهل الوصايا، وحلف هو مع الشاهد الآخر واستحق، ولم يفرق بين يسير ولا كثير. وذكر الشيخ أبو القاسم بن الجلاب عن مالك في ذلك قولين.

                                                                                                                                                                                        وقال مطرف وابن الماجشون -في كتاب ابن حبيب-: إن لم يشهد في الوصية إلا رجلان أوصى لهما فيها بشيء وفيها عتق وديون، فإن كان أشهدهما لفظا نسقا أو مفترقا، فشهدا بذلك عند الإمام، أو وضعاها في كتاب ولم يعلم الميت، طرح ما شهدا به لأنفسهما بالغا ما بلغ، وأمضى ما شهدا به لغيرهما، وإن [ ص: 5463 ] أشهدهما في كتاب أوقعا فيه شهادتهما، فشهدا بعد موته، لم تجز إذا كان ما أوصى به لهما له بال.

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا شهدا بدين ولهما فيه يسير، هل تبطل جميع الشهادة، أو تمضي للأجنبي. فقال -في كتاب محمد-: تمضي. وقال مالك -في المدونة فيمن شهد في ذكر حق له فيه شيء-: لم تجز له ولا لغيره. قال في المجموعة: لأن أحدهما لا يأخذ منه شيئا، إلا دخل عليه صاحبه.

                                                                                                                                                                                        قال: ولو اقتسما قبل الشهادة جازت شهادته. فعلى هذا تجوز شهادته في الوصية لغيره، وإن كثر ما يخصه منها إذا كانت الوصية بمعين، مثل أن يوصي له بعبد ولآخر بثوب أو بدار; لأنه لا يدخل أحدهما على الآخر، وهي كشهادتين فلا ترد شهادته للأجنبي، وإن قال أنا أعلم أن شهادتي فيما تتضمنه لي لا تجوز، وإنما أقصد بأداء الشهادة الأجنبي، وذكرت ما أوصى لي به؛ لأؤدي [ ص: 5464 ] المجلس حسبما كان، ليس لأنها تنفعني، كان ذلك أبين أن لا ترد للأجنبي.

                                                                                                                                                                                        وقول مطرف وابن الماجشون أنها تجوز فيما لا يخصه، وإن كثر ما وصى له به منها أحسن، إلا أنه لا فرق بين أن يكون ذلك في كتاب، أو لفظ من غير كتاب، وإن كان جميع الوصية بعبد أو دار، رد جميعها؛ لأنه لا يخص الأجنبي شيء إلا دخل عليه الشاهد فيه.

                                                                                                                                                                                        وقال يحيى بن سعيد: إذا شهد لنفسه ولغيره، ومعه شاهد آخر جازت شهادته له ولغيره. قال سحنون: يريد أنه يأخذ ذلك لنفسه بغير يمين، وهذا قول مخالف للأصول، وليس يأخذ أحد لنفسه بشهادته.

                                                                                                                                                                                        وقال أصبغ -في العتبية في رجلين شهدا على وصية، شهد كل واحد لصاحبه-: فإن كانت على كتاب واحد بطلت الشهادة، وإن كانت بغير كتاب جازت، وحلف كل واحد مع شهادة الآخر. وقال مطرف وابن الماجشون - في كتاب ابن حبيب، في الشهود يشهد بعضهم لبعض-: إن كان ذلك كله على رجل واحد، وفي مجلس واحد، لم تجز الشهادة، وإن كانت شيئا بعد [ ص: 5465 ] شيء جاز جميعها، وإن تقارب ما بين الشهادتين، وإن كان على رجلين مفترقين جاز، كان ذلك في مجلس أو مجلسين.

                                                                                                                                                                                        وأرى أن يرد جميعها، وسواء كانت على رجل أو رجلين، في مجلس أو مجلسين، لفظا أو بكتاب; لأنهما يتهمان على أن تشهد لي وأشهد لك، إلا أن يطول ما بينهما.

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية