الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        والديون ثلاثة:

                                                                                                                                                                                        أحدهما: ما أخذ له عوض يتمول: دار أو عبد .

                                                                                                                                                                                        والثاني: أن يكون العوض ما لا يتمول كالصداق والخلع والكتابة؛ لأن العوض نفس المكاتب، وكالثوب يشتريه للباس والطعام يأكله.

                                                                                                                                                                                        والثالث: ما لم يقبض منه عوض كالحمالة والجناية ونفقة الولد والوالدين [ ص: 5545 ] والاستكمال على من أعتق بعض عبده، فإن كان الغريم معروفا باليسار واللدد، وقلة الإنصاف في القضاء لم يقبل قوله، وسجن وضيق عليه، ولم يقبل منه حميل، وإن أشكل أمره هل يصدق في دعواه الفقر وفي ذهاب ماله، وإن كان ظاهره الملاء لم يصدق وحبس حتى يثبت فقره، ولم يضيق عليه في السجن، وإن أتى بحميل لئلا يسجن، وليسعى في منافعه قبل منه، وإن كان ظاهره الفقر لبذاذة حاله وصناعته؛ كالبقال والخياط وغيرهما من الصنائع مما شأن أهلها العدم قبل قوله، ولم يحبس وعلى مثل هؤلاء يحمل قول مالك في المبسوط إلا أن تكون الدعوى في يسير مما عومل عليه في صنعته فلا يحمل على الصدق حتى يثبت ذلك، وهذا الجواب في كل ما أخذ له أعواضا يتمول وفي الحمالة بالمال ، وإن لم يكن أخذ عنها عوضا؛ لأن المفهوم أني أقوم عليه فهو إقرار باليسر، وليس كذلك الحمالة بالطلب إذا فرط حتى لزمه المال فإنه ينظر إلى الغالب من حال مثله، وإن كان حميل وجه، وقال: إن لم أحضره غرمت عنه فذلك إقرار منه باليسر بما تحمل به، وأما الصداق فيحمل أيضا على الغالب من حال مثله، فقد علم من كثير من الناس أنهم يتزوجون بما ليس معهم، ثم يسعى ويجمع للنقد ولا يقدر على المهر وبخاصة أهل البوادي وكذلك جناية الخطأ لو جنى جناية تبلغ ربع الدية لم يحمل الجاني على اليسار بذلك دون أن يعتبر حال أمثاله، أو كانت الجناية مأمومة أو جائفة عمدا على القول إنها في مال الجاني. [ ص: 5546 ]

                                                                                                                                                                                        قال عبد الملك بن الماجشون في المبسوط: فيمن أعتق بعض عبد وقال: ما عندي ما أعطي منه قيمة الباقي. قال: إن لم يكن له مال ظاهر سئل جيرانه، ومن يعرفه، فإن قالوا: لا نعلم له مالا حلف، وترك . قال سحنون: جميع أصحابنا على ذلك في العتق إلا في اليمين فإنه لا يستحلف عندهم . فهذه المسألة أصل في كل ما لا يؤخذ عنه عوض أنه لا يحمل فيه على اللدد ولا على الملاء ومثله نفقة الوالدين، فأما نفقة الولد فإن محمل الأب فيها على الملاء؛ لأن الغالب من الناس القيام بالولد والتحيل له من صناعة أو غيرها.

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية