الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        باب فيمن وصل بمال ثم وصل به آخر ثم مات أحدهما قبل القبض

                                                                                                                                                                                        ومن المدونة قال ابن القاسم فيمن استقرض دراهم ثم وهبها لآخر قبل القبض فمات الواهب قبل أن يقبضها الموهوب له: أنها ماضية ، وقال غيره: لا شيء له فيها ، وعلى هذا يجري الجواب إذا مات الأول] ، وهو مقرض فيثبت القرض والصلة على قول ابن القاسم؛ لأنه في معنى المقبوض لما زالت يد المستقرض عنه ، وصارت يد غيره عليها، وتسقط على قول غيره، ولا تخلو العطيتان من أن تكونا جميعا صلة أو قرضا أو أحدهما صلة والآخر قرضا فإن كانتا صلة ثبتتا على قول ابن القاسم، وسواء مات الواصل الأول أو الثاني.

                                                                                                                                                                                        وإن كانتا قرضا فمات الأول أخذها الآخر من تركته وقضاها كل واحد منهما عند الأجل الذي اقترض إليه، وإن مات الأوسط قبضها الآخر [ ص: 5575 ] وقضاها ورثة الأوسط الآن؛ لأنها حلت عليه بموته، وإن مات الآخر سقط حقه فيها؛ لأنها حلت عليه بموته فلا فائدة في قبض ورثته لها؛ لأنه يحكم عليه بردها إلى الأوسط بالحضرة، ويقبضها الأوسط من الأول، ثم يقبضها عند حلول الأجل الذي اقترض إليه.

                                                                                                                                                                                        وإن كانت الأولى صلة والثانية قرضا أو الأولى قرضا، والثانية صلة فمات الأول أو الأوسط كان للآخر قبضها، ويفترق الجواب في موت الأوسط فإن كانت الأولى قرضا والثانية صلة قضاها ورثته الآن بحلولها على ميتهم، ولا شيء على الآخر لأنها له صلة.

                                                                                                                                                                                        وإن كانت الأولى صلة، والثانية قرضا كان للآخر أن يقبضها، ثم يقبضها عند حلول أجلها، ولا شيء على ورثة الأوسط لأنها لميتهم صلة، وإن مات الآخر وكانت له صلة قبضها ورثته، وقضاها الأوسط إذا حل أجلها؛ لأنها كانت عليه قرضا، وإن كانت الأخيرة قرضا قبضها الأوسط؛ لأنها من الأول صلة، ولم يكن لورثة الآخر قبضها؛ لأنها قرض، وقد حلت عليه بالموت، وعلى أصل غيره إن مات الأول سقطت، ولم يتعلق على ورثته فيها شيء للأوسط ولا للآخر على أي حال كانت من صلة أو قرض.

                                                                                                                                                                                        وإن مات الأوسط سقط حق الآخر سواء كانت له قرضا أو صلة، ثم ينظر في حق الميت فيها، فإن كانت الأولى صلة قبضها ورثته من الأول، وإن كانت قرضا لم يقبضوها؛ لأنها حلت على ميتهم بموته، وإن مات الآخر [ ص: 5576 ] وكانت صلة أو الأولى قرضا والثانية صلة قبضها ورثة الآخر وقضاها الأوسط إن كانت قرضا عند حلول أجلها.

                                                                                                                                                                                        وإن كانت الآخرة قرضا سقط حق ورثته فيها لحلولها وكان حق الأوسط قائما فيها، وسواء كانت الأولى صلة أو قرضا، والقياس إذا مات الأول وكانت منه للأوسط على وجه القرض أن يقوم الآخر على الأوسط إذا حل أجل القرض فيغرمه مثل ما كان وصله به؛ لأنه يقول له: أنت رضيت أن تكون قبلك قرضا ولي صلة، ويغرمها للأول إذا حل الأجل، فأنا آخذك بغرم ما كنت رضيت أن تغرمه.

                                                                                                                                                                                        وقال مطرف وابن الماجشون في كتاب ابن حبيب فيمن تصدق عليه بصدقة، ثم باعها المتصدق عليه قبل أن يقبضها، فلم يقبضها المشتري حتى مات المتصدق بها: أن ذلك جائز؛ لأن ملكه قد زال عنها إلى ملك من لا حوز عليه.

                                                                                                                                                                                        وقال أصبغ: لا أرى البيع جائزا، يريد لما كانت يد المتصدق باقية على صدقته، والأول أبين. [ ص: 5577 ]

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية