الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل [في دعوى الغريمين أيهما الدافع]

                                                                                                                                                                                        وقال ابن القاسم في كتاب محمد فيمن له على رجل حق وفيه أيهما شاء أخذه بحقه، فقال الطالب بعد ذلك ما بقي لي عليهما شيء وقال كل واحد ممن كان الحق عليه: أنا كنت الدافع وقال القابض قبضته من أحدهما- قال: صاحب الحق شاهد يحلف مع شهادته. وقال محمد: إن كان قوله قبضته نسقا بقوله ما بقي عليهما شيء قبل قوله وإن كان غير عدل. يريد: إذا تصادقا أنه لم يصل إلى الطالب إلا مائة واحدة؛ لأنهما كانا حاضرين للدفع أو لوجه غير ذلك، فإن كان قوله نسقا صدق وإن كان غير عدل، ويحلف المقر له للمدعي ذلك أنه كان الدافع ويرجع على صاحبه بما ينوبه، فإن نكل عن اليمين [ ص: 5648 ] حلف الآخر أنه كان الدافع ورجع على المقر له بنصف ذلك الحق.

                                                                                                                                                                                        ويختلف إذا لم يكن نسقا، فقال ابن القاسم: هو شاهد، وحمل قوله أن القضاء منهما جميعا عند عدم استفهامه فيحلف المقر له مع شهادته إذا كان عدلا ويرجع، فإن نكل حلف الآخر وكان هو الراجع على المقر له وإن لم يعدل حلف كل واحد منهما لصاحبه ولم يكن بينهما تراجع، وقد قيل في هذا الأصل أنه يقبل قوله؛ لأن قوله أولا ما بقي عليهما شيء محتمل أن يكون لأن القضاء كان من أحدهما أو منهما وهو كلام يحتاج إلى استفهام وأن يسأل ممن كان قبضه فإذا كان ذلك لم يكن فرق بين أن يذكر ذلك نسقا أو متراخيا.

                                                                                                                                                                                        وإن ادعى كل واحد منهما أنه دفع مائة بغير محضر صاحبه ولا علم عنده بما قبض من الآخر لم يكن شاهدا؛ لأنه مدعى عليه فمن أقر له أنه قبض منه برئ، ومن أنكر وحلف له ورجع من أقر له على من أنكره بما ينوبه، فإن نكل البائع حلف الآخر واسترجع منه المائة فكان نصفها له ونصفها لصاحبه، فمتى حلف البائع غرم المشتري خمسين وأخذها صاحبه، ومتى نكل وحلف المشتري غرم البائع مائة تكون بين المشترين نصفين، وهذا إذا كان قوله قبضت من هذا نسقا، وإن لم يكن نسقا.

                                                                                                                                                                                        فعلى قول ابن القاسم: يبرأ كل واحد منهما مما ينوبه وهو نصف الحق؛ لأنه الذي يوجب قوله أولا قبل قوله قبضت من هذا ثم يقال له احلف لمن أنكرته أنك لم تقبض منه شيئا ويحلف لك أنه دفع إليك، ويسقط عنه ما [ ص: 5649 ] ينوبه ولا رجوع لمن أقر له على أحد وتكون مصيبة منه، وإن نكل البائع وحلف الآخر أنه دفع إليه غرم البائع مائة، وإن نكل وحلف المشتري غرم الناكل خمسين وقبضها المقر له. [ ص: 5650 ]

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية