باب في الراهن أو المرتهن يتعدى على الرهن فيبيعه قبل الأجل أو بعده
قال فيمن مالك لم يجز بيعه، فإن أجازه المرتهن، جاز وعجل له حقه ولم يكن للراهن أن يأبى من ذلك، وإن باعه بغير أمر المرتهن وقال: لم آذن في البيع ليأخذ الراهن الثمن، حلف على ذلك، فإن أتى الراهن برهن ثقة يشبه المبيع، أخذ الثمن، وإن لم يقدر على ذلك، وقف هذا الثمن إلى محل الأجل . ارتهن رهنا فباعه الراهن بعد حوزه بغير إذن المرتهن،
قال الشيخ - رضي الله عنه -: وإن بيع بغير أمره بمثل الثمن والدين عين، لم يرد البيع وعجل الدين، وكذلك إذا كان الدين عرضا من قرض فرضي الراهن أن يشتري بثمنه ويعجله وفيه وفاء، وإن لم يوف بالدين وهو عين، أو كان فيه وفاء بالقرض ولم يرض الراهن بتعجيل الدين، أو كان الدين عرضا من قرض ولم يجتمعا على تعجيل الدين، لم يجز البيع، وإن كان ذلك وقت نفاق ذلك الرهن أو موسم بيعه، لم يرد البيع وإن لم يوف بالدين؛ لأن المنع ضرر على الراهن من غير منفعة المرتهن، وإن بيع بأمره وكان ذلك وقت بقائه، وقال: آذنت له، فإنه يصدق. وإن لم يكن وقت بيعه، وقال الراهن: أردت أن أتصرف في ثمنه، فإن كان سلمه إليه، كان رضا بإسقاط رهنه، وإن بيع وهو في يده لم [ ص: 5690 ] يخرجه، صدق المرتهن أنه لم يأذن في بيعه ليسلم الثمن إليه ، وهذا إذا بيع بعد الحوز.
واختلف فقال إذا باعه قبل الحوز، البيع ماض . وقال مالك: وليس عليه أن يعطيه رهنا غيره؛ لأنه إذا تركه حتى باعه فكأنه ترك الرهن . ابن القاسم:
وقال في كتاب مالك محمد: يمضي البيع والثمن للراهن، ولا يعجل المرتهن منه حقه ولا يوضع له رهن مكانه، ولا ينقض ما بينهما من بيع أو سلف، وقد كان للمرتهن لو لم يبعه أن يقوم فيأخذه رهنا، وقاله ابن القاسم . وأشهب
وفي كل هذا اختلاف: في نقض البيع، وفي تعجيل الدين، وفي إلزامه رهنا مكانه، وفي أخذ سلعته إن لم يصح الرهن.
فقال في العتبية: إن كان الراهن موسرا أخذ منهما عليه من [ ص: 5691 ] الدين وعجل للطالب حقه، وإن كان معسرا لم ينقض البيع للراهن . ابن القاسم
وأرى أن يرد بيعه إذا كان الرهن شرطا في أصل العقد أو القرض إن باعه مبادرة أو التراخي اليسير مما يرى أن المرتهن لم يسقط مقاله فيه، وإن فات مشتريه كان الثمن رهنا، وقد قال فيمن ابن القاسم إن البيع ماض ويكون الثمن للموهوب له . فهو في هذا أبين، وإن أحب ألزمه رهنا آخر مكان الأول . وهب هبة ثم باعها وقد فرط الموهوب له في القبض:
وقد قال فيمن غير من الراهن: أن يجبر على رهن آخرة فهو في التعدي على الرهن بعد صحته أبين، فإن لم يجد له شيئا، كان بالخيار في سلعته إن كانت قائمة بين أن يمضيها إلى الأجل أو يأخذها، وهو قول عبد الملك بن الماجشون وغيره في الاستحقاق، إذا استحق قبل الحوز فهو في التعدي على الرهن أحرى ألا يسقط حقه في سلعته، وإن تطوع بالرهن بعد العقد ثم باعه قبل القبض، لم يكن له مقال في نقض البيع في سلعته ولا في ثمنها، ويجري الجواب في نقض البيع في الرهن، وفي تعجيل ثمنه أو إلزامه رهنا آخر على ما تقدم، وهو بمنزلة من وهب هبة ثم باعها مبادرة بعد التراخي. [ ص: 5692 ] ابن القاسم
والجواب عن هبة الراهن وعتقه وتدبيره وكتابته وإيلاده يأتي فيما بعد إن شاء الله، وهذا الجواب إذا تعدى الراهن في البيع، وأما إن نقض بيعه ووقف على يد عدل غيره؛ لئلا يتعدى فيه مرة أخرى، فإن فات به مشتريه وقفت قيمته. تعدى المرتهن وباع الرهن قبل الأجل،
وقال في المرتهن يوم التعدي عليه: إلا أن يكون الثمن الذي باعه به أكثر فيوقف الثمن. وقال مالك في المرتهن يبيع الرهن أو يهبه: إن للراهن أن يأخذه حيث وجده ويدفع ما عليه فيه، ويتبع الذي اشتراه الذي غيره منه بحقه . مالك
يريد: إذا بيع بعد الأجل فيدفع الراهن للمرتهن ما عليه، ويأخذ رهنه ويتبع المشتري المرتهن بالثمن.
وإن كان وهبه، دفع الدين للمرتهن وأخذه من الموهوب له، ولا شيء للموهوب له على الواهب، وإن غاب المرتهن واختلف الدين والثمن، فإن كان الدين أكثر، دفع إلى المشتري ثمنه ووقف السلطان الفضل، وإن كان الثمن أكثر، أخذ الدين وأتبع البيع بالفضل ، وإن باعه بعرض أو مكيل أو موزون ثم غاب، فإن السلطان يقبض الدين من الراهن ويدفع إليه الرهن ويشتري من الدين مثل ما قبضه المشتري من المرتهن ، فإن [ ص: 5693 ] فضل للغائب شيء وقفه له، وإن فضل عنده شيء أتبعه به، وإن كان باعه بعرض دفع إليه قيمته.
وقال في العتبية في المرتهن يبيع الرهن ولا يعلم له المرتهن ولا الراهن صفة ولا قيمة: إن المرتهن يحلف على ما باعه به ويجعل ما بيع به ثمنه . ابن القاسم
وقال إذا فات كان عن المرتهن الأكثر من قيمته أو الثمن. وقاله أصبغ إذا كانت للمرتهن بينة على صفته يوم باعه، فإن لم تكن له بينة، كانت عليه قيمته يوم باعه على صفته التي كان عليها يوم ارتهنه ، إلا أن تكون صفته يوم باعه كانت أفضل من صفته يوم ارتهنه، فيكون عليه قيمة صفته يوم باعه، إلا أن يكون الثمن أكثر، وهذا إذا كان الرهن مما يغاب عليه، وإن كان مما لا يغاب عليه، كان عليه الأكثر من قيمة صفته يوم باعه أو الثمن الذي باعه به . عبد الملك بن الماجشون
يريد: لأن الثياب مضمونة بنفس القبض فلا يصدق في نقص القيمة، كما لا يصدق في ذهاب بعضه، والحيوان غير مضمون فكان القول قوله إذا تعدى عليه هو على الصفة التي اعترف بها. [ ص: 5694 ]