الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        باب في ارتهان فضلة الرهن

                                                                                                                                                                                        ومن ارتهن رجلا رهنا في مائة دينار ثم استقرض منه مائة وأرهنه فضلة ذلك الرهن، جاز إذا كان الرهن على يده أو على يد عدل ورضي العدل أن يحوز ذلك الفضل للمرتهن، ويختلف إذا لم يرض وقد علم برهن ذلك الفضل أو لم يعلم، واختلف إذا ارتهن الفضل غير الأول، فقال مالك في المدونة: إن رضي الأول جاز، وإن لم يرض لم يجز .

                                                                                                                                                                                        وقال في كتاب محمد: لا يجوز؛ لأن الأول إنما حاز لنفسه، ويجري فيهما قول آخر أنه يجوز وإن لم يرض الأول قياسا على المخدم يهب صاحبه رقبته لغير المخدم، فقال: يجوز وإن لم يرض المخدم ولم يعلم.

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا كان الرهن على يد عدل فأرهن الفضل غير الأول، فقال مالك في كتاب محمد: يجوز إن رضي الأول. وقال أصبغ: ذلك جائز وإن لم يرض إذا رضي العدل .

                                                                                                                                                                                        قال الشيخ - رضي الله عنه -: أما إذا كان أجل الدينين سواء، أو كان الآخر أبعد حلولا، جاز وإن لم يرض الأول، فإن كان الثاني أقرب حلولا ودين الأول عرض من بيع دخل الثاني على أن يقبض دينه إذا حل أجله، لم يجز إلا برضى الأول؛ لأن الأول يتعجل حقه قبل أجله، إلا أن يرهنه على أن لا يقوم ببيع [ ص: 5718 ] ذلك الرهن حتى يحل الأجل الأول وفيه معمر من الغرر، وإن كان دين الأول عينا أو عرضا من قرض، جاز إذا دخل على أن يعجل حقه إذا حل الأول وإن لم يرض الأول، وهذا إذا علم العدل ورضي أن يحوز ذلك الفضل إذا بيع الأول فيحول بين الرهن وبين ذلك الفضل. ويختلف إذا لم يرض قياسا على المخدم وقد تقدم.

                                                                                                                                                                                        واختلف في ضمان فضل الرهن إذا كان على يد المرتهن الأول أو على يد عدل، فقال ابن القاسم: إذا كان على يد الأول سقط عنه ضمان الفضل، وقال أشهب: ضمانه كله من الأول، قال: ولو كان على يد الثاني المرتهن للفضلة فضاع، لم يكن عليه ضمان ، وعلى أصل ابن القاسم يضمن الثاني الفضل.

                                                                                                                                                                                        وقول محمد أبين؛ لأن الفضل مترقب فقد ينزل سوقه أو ينزل به عيب فلا يكون فضل، وإن كان لا يعلم كم هو يوم البيع ومن باع على أن يأخذ رهنا ويجعله على يد عدل ثم قبضه، وقال: دفعته إليه، وقال العدل: لم يدفعه إلي، كان القول قول العدل على مذهب ابن القاسم ويغرم البائع.

                                                                                                                                                                                        وعلى قول عبد الملك يكون القول قول المرتهن أنه سلمه والقول قول العدل أنه لم يقبضه وتكون مصيبته من صاحبه، والقول وإن قال العدل: قبضته وضاع مني ، قبل قوله في دفعه بخلاف الأول، وقيل: لا يقبل [ ص: 5719 ] قوله إلا ببينة.

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية