الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        [ ص: 5769 ] باب فيمن غصب عبدا فباعه

                                                                                                                                                                                        وإذا باع الغاصب العبد ثم أتى صاحبه ولم يتغير سوقه ولا تغير في نفسه كان بالخيار بين أن يجيز البيع أو يأخذه ويرجع على المشتري بالثمن.

                                                                                                                                                                                        وإن قتله المشتري عمدا أو خطأ أو قطع يده أو فعل ذلك به غير المشتري كان صاحبه بالخيار بين أن يبتدئ بالغاصب فيأخذ القيمة يوم الغصب أو الثمن أو القيمة يوم البيع على أحد قولي ابن القاسم ؛ لأنه تعد ثان غير الغصب ويمضي البيع وتكون المطالبة للمشتري على من جنى عليه إن كانت الجناية من أجنبي، وإن أحب المستحق أن يبتدئ بالمشتري فيأخذه بقيمة يوم قتله إن كان عمدا.

                                                                                                                                                                                        واختلف فيه إذا كان خطأ فعلى القول أن له أن يأخذه بالخطأ يرجع المشتري على البائع، وعلى القول ألا شيء عليه تكون مطالبته على البائع.

                                                                                                                                                                                        وكذلك إذا قطع يده عمدا كان للمستحق أن يأخذ العبد وما نقصته الجناية ويرجع المشتري على البائع بالثمن.

                                                                                                                                                                                        ويختلف إذا كان القطع خطأ، وإن كانت الجناية من أجنبي تساوي العمد والخطأ، فإن قتله أخذ منه قيمته، وإن قطع يده أخذ العبد والجناية من الجاني ويرجع المشتري على الغاصب بالثمن، فإذا كان العبد قائم العين وأجاز المغصوب منه لزم المشتري إلا أن يكون المغصوب منه فاسد الذمة لحرام أو غيره. [ ص: 5770 ]

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا كان المشتري قد دفع الثمن إلى الغاصب، والغاصب فقير وقد أجاز المستحق الثمن فقيل: لا شيء له على المشتري، وقيل: يأخذ منه الثمن ثانية، وهذا يصح على القول إن العقد بيع، فيكون قد أجاز البيع دون القبض، وعلى القول إن البيع التقابض لا يكون له على المشتري شيء، فإن علم المشتري أن البائع منه غاصب وأحب رد البيع قبل قدوم المغصوب منه لم يكن ذلك له إذا كان قريب الغيبة وذلك له إذا كانت الغيبة بعيدة؛ لأن عليه في وقفه في ضمانه حتى يقدم ضرر.

                                                                                                                                                                                        وإن اشتراه الغاصب من المغصوب منه بعد أن كان باعه لم يكن له أن يرد بيع نفسه.

                                                                                                                                                                                        وقال ابن القاسم: لأنه إنما يحلل صنيعه .

                                                                                                                                                                                        قال الشيخ: ولو كان قد قدم قبل أن يشتريه من المغصوب منه أنه يريد بذلك ملكه لا يتحلل صنيعه لكان له أن يأخذه، ولو كان باعه الغاصب بعشرة ثم اشتراه من المغصوب منه بثمانية كان للمغصوب منه أن يرجع عليه بدينارين؛ لأنه يقول لي في يده ثمن عبدي وهو عشرة كثمانية، ولو أعلمني لم أقبض ثمانية، وكذلك لو باعه هو بثوب لكان المغصوب منه بالخيار بين أن يجيز البيع بالثمانية دنانير أو يردها ويأخذ الثوب، وإن تغير الثوب بنقص كان له أن يأخذ ذلك النقص؛ لأنه غصب ثان ولو باعه المغصوب منه من الذي اشتراه من الغاصب بثمن مخالف للأول في القدر أو الجنس جاز، ويرجع المشتري على الغاصب بما كان دفع إليه. [ ص: 5771 ]

                                                                                                                                                                                        وإن كان الثمن الأول عرضا ما لم يتغير سوقه برجوع المغصوب- بثمن ذلك العرض، ورجوع المشتري مختلف فيه فتفيته حوالة الأسواق وفي رجوع الغاصب؛ لأن المشتري سلطه عليه فإن باعه المغصوب منه من ثالث ليس من الغاصب ولا من مشتريه من الغاصب جاز إذا كان لا يحتاج إلى خصومة، إما لأن الغاصب ذهبت قدرته أو أناب وسلم وكان من هو في يده معترفا به وممكنا منه، وإن كان غير ذلك لم يجز، وإن اعترف البائع بعد البيع بالغصب ولم يثبت ذلك من غير قوله لم يصدق على المشتري، وكان مقال المغصوب منه مع الغاصب فإن أحب أخذه بالقيمة، ثم يقال: إنه غصبه أو يجيز البيع ويأخذ الثمن.

                                                                                                                                                                                        ويختلف إذا كانت القيمة يوم البيع أكثر من الثمن هل يكون للمغصوب منه أن يأخذه بالقيمة يوم البيع؛ لأنه تعد ثان؟

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية