الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        ومن أعار أرضا لتزرع لزمه وكان محمولا على مرة واحدة.

                                                                                                                                                                                        وقال مطرف وابن الماجشون في كتاب ابن حبيب فيمن أعار رجلا جدارا ليحمل عليه خشبة ففعل فليس له نزعها وإن طال الزمان واحتاج إلى جداره عاش أو مات أو باع إلا أن ينهدم الجدار ثم يعيده صاحبه فليس له أن يعيد خشبه، وذكراه عن مالك قالا: وقد جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : "لا يمنعه" فإذا أذن له فلا رجوع له . فأمضيا ذلك للأبد وإن كانت العارية تتضمن الرجوع مراعاة للحديث. وقال في العتبية: له أن يزيلها إذا احتاج إلى حائطه . وقال محمد بن عبد الحكم: له أن يرجع في ذلك ويرمي بها. فإن قال أذنت لك أن [ ص: 6041 ] تسكن داري أو تزرع أرضي أو تركب دابتي أو تلبس ثوبي كان عارية ويجري على ما تقدم من العارية إذا ضرب لها أجلا أو لم يضرب وإن قال: أذنت لك أن تجري نهرا أو قناة أو تبني أو تغرس وضرب أجلا كانت عارية.

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا لم يضرب أجلا، فقال مطرف وابن الماجشون: ما كان من ذلك يتكلف فيه الإنفاق والمؤنة من بناء أساس في حق الإذن وحفر الآبار لمن ينشئ عليها غرسا أو يبتدئ عملا فما قلعه ورده كما كان فسادا أو ضررا لم يكن له ذلك صغرت المؤنة أو عظمت ولا رجوع له عاش أو مات وهو كالعطية .

                                                                                                                                                                                        ولو شرط أن يرجع متى شاء فإن شرطه باطل; لأن ذلك من شرط الضرر والتغرير بالعامل. وما كان لا يتكلف فيه كبير عمل ولا إنفاق من فتح باب أو طريق إلى فناء الآذن أو إرفاق بماء لشقة أو ليسقيه شجرا قد أنشئت قبل ذلك ثم نضب ماؤها وغارت كان له الرجوع إلا أن يكون المأذون له في الطريق والمدخل والمخرج باع داره وشرط للمشتري ما أذن له فيه بعلم الآذن فيكون ذلك لازما للآذن أبدا، وإن لم يبن شيئا له فيه منفعة، وقاله أشهب وابن نافع وقال أصبغ: ذلك كله واحد ما تكلف فيه عمل وإنفاق وما لم يتكلف، فإذا مر من الزمان ما يعار مثله لمثل هذا فله منعه إلا في الغرس فإنه لا يمنعه [ ص: 6042 ] بعد ذلك .

                                                                                                                                                                                        وقال مطرف وابن الماجشون: إذا بنى المعطى فإن كان سماها صاحب الأرض عارية كان له أن يرجع فيها إذا مضى قدر ما تكون العارية إلى مثله في مثل ذلك الشيء، وإن ضرب أجلا أخذها إذا مضى ذلك الأجل .

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا أذن له أن يغرس على مائه ففعل ثم أراد أن يقطع ذلك الماء، فقيل: ليس ذلك له وهي كالعطية والهبة ما لم يوقت أو يسميها عارية. وقال أصبغ: له الرجوع في ذلك .

                                                                                                                                                                                        ومن أذن لرجل أن يجري خلف حائطه نهرا أو قناة أو على حائط ميزابا فأضر ما يصل من ذلك بحائطه كان له أن يقطع ما أذن له فيه، ويزيله عنه، وإن احتاج الحائط إلى إصلاح كان إصلاحه على من كان ذلك بسببه وإن انهدم وعلم صاحب الحائط بما دخله من الفساد فلم ينكر لم يكن له عليه شيء، وإن لم يعلم وعلم بذلك الآخر كان بناؤه عليه، فإن جهلا جميعا جرت على قولين، وهو كالذي أخطأ فيما أذن له فيه، وأن يضمن أصوب. [ ص: 6043 ]

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية