الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        باب في الجماعة يدخلون البيت للسرقة

                                                                                                                                                                                        وإذا دخل جماعة بيتا للسرقة فإنهم لا يخلون من سبعة أوجه: إما أن يخرج كل واحد منهم بسرقة، أو يخرج أحدهم بسرقة والآخر بغير شيء، أو يخرجوا بسرقة يحملونها بينهم، وهي ثقيلة لا يستطاع إخراجها إلا بجماعتهم، أو يستطيعها بعضهم ولا يستطيع إخراجها أحدهم، أو تكون خفيفة يخرج بها أحدهم لو شاء، أو تكون ثقيلة فحملوها على أحدهم فخرج بها، أو على دابة، أو على صبي، أو مجنون، أو خرج بها الصبي أو المجنون من غير أن يأمروه.

                                                                                                                                                                                        فإن خرج كل واحد بسرقة، قطع من بلغت قيمة سرقته ربع دينار، ولم يقطع من لم تبلغ سرقته ذلك، ومن خرج بغير شيء، وإن كان نصيبه فيما خرج به صاحبه وهو شريكه، وإن خرج جميعهم بسرقة يحملونها بينهم ولا يستطاع إخراجها إلا بجماعتهم، قطع جميعهم إن كانت قيمة جميعها ربع دينار.

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا كان شيئا خفيفا فخرج بها جميعهم مع القدرة على أن يخرجها أحدهم، فقال مالك وابن القاسم: لا يقطعون إذا كانت قيمتها ثلاثة دراهم . وحكى ابن القصار قولا آخر أن الخفيف بمنزلة الثقيل .

                                                                                                                                                                                        قال الشيخ -رحمه الله-: ولو كان شيئا لا يستطيع أن يخرج به أحدهم، ويستطيع أن يخرجه اثنان منهم فخرج به أربعة، جرت على الخلاف في الخفيفة.

                                                                                                                                                                                        والقياس إذا كان لا يستطيع حمله إلا جميعهم، وكانوا أربعة أن لا يقطعوا [ ص: 6066 ] إلا أن يكون قيمتها دينارا فيكون في حظ كل واحد منهم ربع دينار; لأنه الذي ينوبه مما حمل منها; لأن القطع فرع عما يغرمه، وقول مالك أن على كل واحد ربع قيمة ذلك، وقياسا على شهود الزنا والمشهود عليه محصن فرجع أحدهم أنه لا يغرم إلا ربع الدية، وهو لم يقدر على أن يريق دمه إلا بما انضاف إليه من شهادة أصحابه، فإن حملوها على أحدهم، وهي ثقيلة لا يستطيع أن يحملها إلا بأن يحملها جميعهم عليه، قطع الخارج.

                                                                                                                                                                                        ويختلف في الذين حملوها عليه، فقال ابن القاسم: يقطعون بمنزلة ما لو حملوها على دابة قال أبو مصعب: لا يقطعون، ويقطع الذي خرج بها وحده. ووافق إذا حملوها على دابة أنهم يقطعون جميعا. وقد اختلف في هذا الأصل إذا قربوا المتاع إلى النقب فأدخل الخارج يده وأخذ المتاع، أو ربطوه له فجره الآخر فأخرجه، فقيل: يقطعون; لأنهم السبب في خروجه ولولا فعلهم لم يخرجه الآخر، وقيل: لا يقطعون; لأن معونتهم كانت في داخل الحرز، وقد انقضت وغيرهم المخرج، وهو أشبه.

                                                                                                                                                                                        وإن حملوه على صبي أو مجنون كان بمنزلة حملهم إياه على دابة، وإن أخرجها من غير أن يأمروه، لم يقطع واحد منهم.

                                                                                                                                                                                        وقال محمد: إذا سرق أحدهما دينارا فقضاه للآخر قبل أن يخرج أو أودعه إياه، كان القطع على من خرج به. قال: وكذلك لو باعه ثوبا في الحرز . [ ص: 6067 ]

                                                                                                                                                                                        قال الشيخ -رحمه الله-: ولو دخل رجل على السارق فباعه ثوبا فخرج به المشتري ولم يعلم أنه سارق، لم يقطع واحد منهما.

                                                                                                                                                                                        وقال ابن القاسم في العتبية: إذا أخذ السارق في البيت وقد اتزر بإزار، ثم انفلت به وهو عليه، فلا قطع عليه، علم به أهل البيت أو لم يعلموا.

                                                                                                                                                                                        وقال محمد: إذا رأى رجل السارق يسرق متاعه فتركه، وأتى بشاهدين ليعايناه يسرق فنظرا إليه ورب المتاع معهما حتى خرج به ولو أراد منعه لمنعه، فلا قطع عليه.

                                                                                                                                                                                        وقال أصبغ: يقطع. ، وقال ابن كنانة في جماعة دخلوا حرزا فأخرجوا سرقة ثم وجدت فزعموا أن أحدهم أخرجها وأقر بذلك: قطع وحده، وإن اختلفوا وأنكر كل واحد منهم أن يكون هو الذي أخرجها، لم يقطع واحد منهم، ويستظهر في ذلك باليمين. يريد رجاء أن يقروا إلا أن يكون فيهم من يراد ستره فلا يحلف.

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية