الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        باب في سرقة الآباء، والأبناء، والأجداد، والعبد من سيده، وأحد الزوجين والضيف، وإذا سرق اثنان أحدهما لا قطع عليه

                                                                                                                                                                                        ولا قطع على الأبوين إذا سرقا من مال الابن للحديث: "أنت ومالك لأبيك" . ولأن لهما في مال الابن شبهة متى احتاجا أنفق عليهما منه ، ولأن من البر أن لا يحرز ماله عنهما ولا يمنعهما ما أخذا منه ما لم يكن ضرر.

                                                                                                                                                                                        واختلف في الابن إذا سرق من مال أبيه أو زنا بجاريته، فقال مالك وابن القاسم: يقطع ويحد. وذكر ابن خويز منداد عن أشهب وابن وهب أنهما قالا: لا يقطع ولا يحد إذا سرق من مال أبيه أو زنا بجاريته.

                                                                                                                                                                                        وقال أبو الحسن بن القصار: يقطع إذا كان بالغا عاقلا صحيحا وقد سقطت نفقته عن أبيه، يريد: إذا كان ممن لم تسقط نفقته كالبكر ومن بلغ زمنا لم يقطع وهذا صحيح; لأن الإنفاق من المال شبهة في المال قياسا على الأبوين إذا سرقا من مال الابن، والوجه في قول ابن وهب وأشهب أنه لما كان للأب شبهة في مال الابن متى احتاج إلى الإنفاق فكذلك الابن له شبهة في مال [ ص: 6084 ] الأب متى احتاج إلى الإنفاق على قول بعض أهل العلم فيدرأ الحد للاختلاف وإن سرق من مال أبيه أو زنا بجاريته فإنه يحد; لأنه لا شبهة للابن في مالهما متى احتاج إلى الإنفاق وإن سرق ولد الولد من أحد أجداده أو جداته قطع.

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا سرق أحد الأجداد من مال ولد ولده فقال ابن القاسم: أحب إلي أن لا يقطع; لأنه أب ولأنه ممن تغلظ فيه الدية وقد قال عليه السلام: "ادرؤوا الحدود بالشبهات" وقال أشهب: يقطعون ; لأنه لا شبهة لهم في ماله ولا نفقة ويقطع السيد إذا سرق من مال عبده.

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا سرق عبده منه من موضع حجبه عنه، فقال مالك: لا يقطع . وقال أبو مصعب: يقطع . [ ص: 6085 ]

                                                                                                                                                                                        وفي مختصر الوقار مثل ذلك والأول أشبه; لأن للعبد شبهة في المال بالإنفاق عليه منه ولا يلزم على هذا الزوجة; لأن الإنفاق بحق المعاوضة والمبايعة ولا يقطع السيد إذا سرق من مال مدبره وأم ولده ومعتقه إلى أجل ومكاتبه .

                                                                                                                                                                                        ويختلف إذا سرق أحدهم منه، وكذلك المعتق بعضه لا يقطع أحدهما للآخر، وإذا سرق أحد الزوجين من مال الآخر من موضع لم يحجر عليه، لم يقطع وإن سرق من موضع محجور بائن عن مسكنهما قطع، وإن كان معهما في بيت واحد فسرق من تابوت معلق أو من بيت محجور والدار غير مشتركة بينهما في الدار، كان في قطعه قولان: فقال ابن القاسم: يقطع. وقال في كتاب محمد: لا يقطع .

                                                                                                                                                                                        ويختلف على قوله في الضيف، وأن لا يقطع الزوج ولا الزوجة أحسن إذا كان القصد بالغلق التحفظ من أجنبي يطرق ذلك الموضع، وإن كان لأن كل واحد يخاف الآخر ويتحفظ منه قطع، وإذا سرق الزوج من شيء شورها به، ولم يبن بها فيقطع على القول أنه قد وجب جميعه لها، وعلى القول أنه مترقب لا يحد إذا كانت أمة فأصابها، فيجري على الجواب في الشريكين يسرق أحدهما [ ص: 6086 ] من مال شركة بينهما، وقال مالك في المدونة في رجل أضاف رجلا فأدخله داره وبيته فيها فسرق لا يقطع ، وقال سحنون: يقطع إذا أخرجه إلى قاعة الدار ; لأن الدار عنده حرز. [ ص: 6087 ]

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية