[ ص: 6132 ] فصل [في الصفة التي يؤخذ عليها المحارب]
لا يخلو من نصب للمسلمين من ستة أوجه، إما أن يؤخذ: بحضرة ما خرج ونصب وقبل أن يخيف، أو بعد أن أخاف ولم يأخذ مالا، أو بعد أن أخذ المال ولم يخف، أو جمع الأمرين: أخذ المال والخوف ولم يطل أذاه، أو بعد أن طال أذاه وعلا أمره، إلا أنه لم يقتل ولم يأخذ مالا، أو أخذ المال ولم يقتل، أو بعد أن قتل.
فإن لأنه لم يحارب، ولا أخاف سبيلا، ولا يقع عليه اسم محارب ولا قاطع سبيل، وإنما حصلت منه نية، وهو بمنزلة من خرج ليسرق أو ليقتل أو أراد أن يشرب خمرا، فأخذ قبل فعل ذلك، فإنه لا خلاف أنه لا يقام عليه حكم شيء مما أراد أن يفعله، ومثله لو حصل منه خوف وأخذ بالحضرة قبل أن ينقطع أحد عن تلك الطريق بسببه. وقال أخذ بحضرة خروجه ولم يقع منه خوف، فإنه يعاقب ولا يجري عليه شيء من أحكام المحاربين; في كتاب مالك محمد في لا يقطع ولا يقتل. قال رجل خرج بسيفه في بعض أعمال المدينة أراد رجلا فأخذ: لأنه أراد أمرا فلم يفعله . أصبغ:
ولو قعد جماعة لصوص لقوم، فأعلم الإمام بهم فأخذهم قبل أن يعلم بهم من قعدوا له، ولم يتقدم لهم تلصص، لم يحكم عليهم بحكم المحاربين; لأن [ ص: 6133 ] المحاربة في لسان العرب غير هذا، فإن علم بهم المسافرون فامتنعوا من تلك الطريق خوفا منهم.
قال الشيخ -رحمه الله-: هم قطاع وإن لم يقع عليهم اسم محاربين، إلا أنهم يجري عليهم حكمهم ; لأن الآية جمعتهم بقوله تعالى: أو فساد في الأرض [المائدة: 32] ، فإن حاربوا حكم عليهم بمقتضى الآية، أخذوا مالا أو لم يأخذوه ولم يقدروا عليه. وإن لم يكن معهم سلاح، وإنما أخذوا ذلك بالقوة والقهر، ولا يخشى منهم قتال لو منعوهم- كانوا غصابا غير محاربين، إلا أن يكون تقدم منهم خوف، فيرتفع حكم الغصب.
وإن أخذه بالقهر، ثم قتله خوفا أن يطلبه بما أخذ منه، فلم يكن محاربا، وإنما هو مغتال.
وقال في كتاب مالك محمد فيمن إنه يشبه المحارب، وهو ممن يضرب وينفى. لقي رجلا فسأله طعاما فأبى، فكتفه ونزع منه الطعام وثوبه:
وكذلك الذي توجد معه الدابة فيقر أنه وجد عليها رجلا فأنزله وأخذها، فإنه يضرب وينفى . وقال في الذي يجد الرجل في السحر وعند العتمة فيبتز ثوبه في الخلوة: فلا قطع عليه إلا أن يكون لصا أو محاربا. فأما الذي يجد الرجل [ ص: 6134 ] في الليل فكابره حتى نزع ثوبه عن ظهره، فلا قطع عليه .
وقال: . المحارب من حمل على قوم بالسلاح على غير نائرة ولا عداوة، أو قطع طريقا وأخاف المسلمين
والمغتال: رجل عرض لصبي أو لرجل فخدعه حتى أدخله بيتا فقتله وأخذ متاعه، أو شد على قوم عرض لهم في طريق، فقتل وأخذ متاعا فتلك غيلة أيضا . وقيل: الغيلة تعد من المحاربة.
وقال في الذي يخنق الرجل لأخذ متاعه: إنه محارب . وفي الذين يسقون الناس السيكران لأخذ أموالهم: إنهم محاربون .
وليس بالبين، وليس هذا محاربة. فقال في كتاب مالك محمد فيمن أطعم قوما سويقا فمات بعضهم ونام بعضهم، فلم يفيقوا إلى الغد، وأخذ أموالهم، فقال الفاعل: ما أردت قتلهم إنما أعطانيه رجل. وقال: يسكر، فأردت إخدارهم لأخذ أموالهم فلم يقبل قوله. وقال: يقتل. قال: ولو قال: ما أردت إخدارهم ولا أخذ أموالهم، وإنما هو سويق لا شيء فيه إلا أنه أخذ أموالهم حين ماتوا، فلا شيء عليه إلا الغرم . [ ص: 6135 ]
واختلف في المحارب في المدينة، فقال هو محارب. وقال ابن القاسم: في كتاب عبد الملك لا يكونون محاربين في القرية، وهم معتدون سفها إذا كانوا في القرية مختفون لا يفسدون إلا الواحد والمستضعف، وليس في القرية محاربة إلا أن يكونوا جندا أو جماعة يريدون القرية كلها عادين معلنين -فهم كاللصوص الذين يقتحمون القرى والذين يبيتون القوم. ابن سحنون:
وأما الذين ينزلون اليوم على الناس فيأخذون المال سرا، وينجو به سارق، وإن علم به بعد أن أخذ المتاع وخرج به، فقاتل حتى نجا به -سارق أيضا; لأن قتاله حينئذ ليدفع عن نفسه. وإن علم به قبل أن يأخذ المتاع فقاتل حتى أخذه- كان محاربا عند وعند مالك، ليس بمحارب. عبد الملك