فصل [في الإقرار بالزنى وكيف إن رجع]
حد الزنى يقام بأربعة: بالشهادة وقد تقدم، وبإقرار الفاعل على نفسه، وبالحمل في المرأة.
فأما الاعتراف فيجزئ منه مرة واحدة إذا صرح بما أقر به ولم يرجع عنه، وقيل في كتاب لمالك محمد: أترى للإمام إذا اعترف عنده رجل بالزنى أن يعرض عنه أربع مرات قبل أن يقيم عليه الحد؟ فقال: ما أعرف هذا، إذا اعترف مرة [ ص: 6204 ] واحدة وأقام على ذلك- أقيم عليه الحد .
قال الشيخ - رضي الله عنه - : ولو أجرى الإقرار مجرى الشهادات وألا يحد حتى يقر أربع مرات- لم يقم حد بإقرار أبدا; لأنه يحتاج أن يكون المقر عدلا والزاني غير عدل، ومحمل إعراض النبي - صلى الله عليه وسلم - عن المقر، أنه أراد سترا; لأن إقراره كان محتملا، فلما سأله في الرابعة عن تحقيق إقراره وسأله بالنون والكاف فقال: نعم أقام عليه الحد ولم يلزمه بأن يقر أربع مرات بعد تحقيق الإقرار، وقال أنيس على امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها فاعترفت فرجمها" ولم يقل: فإن اعترفت أربع مرات. "واغد يا
وإن رجع المقر عن إقراره، وأتى بعذر تعرف به الشبهة التي دخلت عليه، فأقر لأجلها قبل رجوعه ولم يحد.
واختلف إذا لم يأت بعذر أو لم يرجع وجحد الإقرار جملة فقال مالك مرة يقبل رجوعه، وقال مرة: لا يقبل .
وقال في كتاب القطع في السرقة: إذا جحد الإقرار أصلا يقال، وجعله [ ص: 6205 ] بمنزلة من رجع . وليس بالبين; لأن هذا لم يرجع عن أن يكون زنى وإنما رجع عن القول ، وليس الرجوع عن القول رجوعا عن الفعل، وعلى القول الآخر يحد إذا أنكر; لأنه لا يقبل رجوعه إلا أن يأتي بعذر.
ومن أنكر الإقرار لم يأت بعذر، وكذلك كل من أقر بحق لله تعالى من سرقة أو شرب خمر أو حرابة أو ما أشبه ذلك، ثم رجع، فإنه يقبل رجوعه إذا أتى بعذر يعرف.
واختلف فيه إذا لم يأت بعذر، وكذلك إذا اجتمع في الإقرار الواحد حق لله سبحانه وحق لآدمي، مثل أن يقر أنه سرق من فلان مائة درهم أو سلعة كذا أو اغتصبت فلانة أو حاربت فلانا فأخذ ماله، ثم رجع عن ذلك، فإنه يؤخذ بما يتعلق من إقراره ذلك لآدمي، ثم ينظر فيما يكون من حق الله سبحانه، فإن أتى بعذر- ترك، وإن لم يأت به- حد. وقيل في السرقة: إن لم يعينها قبل رجوعه، وإن عينها لم يقبل.
واختلف فيمن هل يحد قاذفه؟ أقر بالزنى، ثم رجع عن ذلك، ثم قذفه رجل
وقال فيمن قذف رجلا ثم أقام عليه شاهدين أنه اعترف [ ص: 6206 ] بالزنى: أن الحد سقط. وقال ابن القاسم الحد ثابت عليه . أشهب
والقول الأول أحسن، وإنما يسقط عنه إذا رجع فيما بينه وبين الله سبحانه ولا يسقط عنه فيما كان يتضمن ذلك من حقوق العباد، وهو مأخوذ بها على الأصل في الإقرارات.
ولو لسقط عنه الحد، ولم يسقط عنه الصداق، ولم يحد لقذفها إن أنكرت; لأنه لم يقذفها، وأنه إن قال: اغتصبت ولم تطع ، يكن لها صداق، أو أقر بسرقة من رجل; لسقط عنه القطع، ولم يسقط عنه الغرم، وأيضا فإن الحد في القذف حماية لعرض المؤمن، ومن اعترف بالزنى ثم رجع عنه منتهك العرض عند الناس. أقر رجل باغتصاب امرأة، ثم رجع،