الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        واختلف فيمن أدرك من الجمعة ركعة فلما سلم ذكر هذا الرجل سجدة من التي صلى مع الإمام: فقول ابن القاسم: تبطل الجمعة، وقول أشهب: يخر إلى سجدة ويأتي بركعة وتجزئه الجمعة، وقول أصبغ: يتمها جمعة ويعيدها.

                                                                                                                                                                                        وعلى القول أنها لا تجزئه- يختلف: هل يبني عليها أربعا وتجزئه عن [ ص: 562 ] الظهر؟ أو يسلم ويستأنف الظهر أربعا؟

                                                                                                                                                                                        وقال محمد: فإن أتى بركعة بعد سلام الإمام، ثم شك في سجدة لا يدري من أي ركعة هي، فقال ابن القاسم: يسجد سجدة ويأتي بركعة ويسجد لسهوه ويعيدها ظهرا. وقال أشهب: يأتي بركعة ويسلم ويسجد لسهوه ويعيدها ظهرا، وقال ابن عبد الحكم وأشهب في المجموعة مثل قول عبد الملك.

                                                                                                                                                                                        قال أشهب: ولا يقال له ائت بركعة; لأنها إذا بطلت التي أدرك خرج من أن تكون جمعة، وصار عليه ظهر، وليس الإتيان في هذه بركعة من صلاح فرضه، فخالفت غيرها. والذي حكى ابن المواز عنه خلاف ما في المجموعة عنه.

                                                                                                                                                                                        قال عبد الملك: لا يأتي بركعة، ولكنه يسجد ثم يتشهد ويسلم، ويسجد لسهوه بعد السلام، ويعيدها ظهرا.

                                                                                                                                                                                        قال مالك: وهذا أحب إلي، يسجد خوفا أن تكون من الآخرة ولا يأتي بركعة; لأنها إن كانت من الركعة الآخرة فهي جمعة تامة لا يحتاج فيها إلى ركعة، وإن كانت من الأولى فلا جمعة له، وعليه الظهر أربعا، ولا تنفعه [ ص: 563 ] الركعة التي أتى بها.

                                                                                                                                                                                        قال الشيخ -رضي الله عنه-: أرى أن يأتي بسجدة ينوي بها تمام التي صلى مع الإمام، ثم يأتي بركعة ويسلم، وتجزئه جمعة على القول أن كل ركعة لا يعتد بها لا تحول بينه وبين إصلاح التي قبلها، وهو قول مطرف، والتي ركعها بعد سلام الإمام لا يعتد بها من الجمعة لما لم تتم التي قبلها، وإذا كان لو سلم واشتغل ذلك القدر في كلام أو غيره، ثم ذكر لم تفسد عليه صلاته- كان من اشتغل ذلك القدر في القربة لله -عز وجل- أحرى ألا يحول بينه وبين الإصلاح.

                                                                                                                                                                                        وقال مالك فيمن لم يستطع السجود إلا على ظهر أخيه: لا تجزئه، وعليه الإعادة وإن ذهب الوقت.

                                                                                                                                                                                        وقال أشهب: يعيد ما دام في الوقت. وقال محمد بن عبد الحكم: إذا أدرك الأولى وزوحم عن سجود الثانية فسجد على ظهر أخيه وسلم الإمام ولم يسلم هذا وتطاول- فإنه يسجد، وتجزئه صلاته.

                                                                                                                                                                                        فرأى أشهب أنه إذا لم يستطع السجود بالأرض كان فرضه الإيماء، وإنما عليه أن يأتي من ذلك بحسب قدرته مع الإمام، ولا يؤخر عنه حتى يأتي بها على الأرض بعد ذلك، وإذا كان فرضه أن يأتي به معه إيماء فسجد على ظهر أخيه، أشبه من كان فرضه الإيماء، فرفعت له وسادة فسجد عليها.

                                                                                                                                                                                        ورأى مالك: أن له أن يؤخر ذلك، فإذا قام الإمام إلى الثانية سجد هو [ ص: 564 ] على الأرض، إلا ألا يقدر ويركع الإمام، فيومئ هو ويدركه في الثانية.

                                                                                                                                                                                        وإن زوحم عن سجود الثانية أمهل حتى يجلس للتشهد، فيسجد على الأرض، فإن خشي أن يسلم الإمام -أومأ للسجود على القول أن السلام كعقد ركعة، وعلى القول أنه ليس كعقد ركعة- يؤخر حتى يسلم الإمام، فيسجد على الأرض. [ ص: 565 ]

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية