الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        باب إذا قال المقتول قتلني فلان خطأ أو عمدا وخالفه الورثة أو قال قتلني ولم يزد وقال الورثة خطأ أو عمدا أو لا علم لنا أو اختلفوا فقال بعضهم خطأ وقال الآخرون عمدا

                                                                                                                                                                                        وإذا اختلف قول الورثة مع الميت بطل الدم، فإن قال الميت خطأ وقال الورثة عمدا بطل الدم ولا دية ولا قصاص; لأن الميت أبرأ القاتل من القصاص بقوله خطأ، والورثة أبرءوا العاقلة بقولهم عمدا ; لأن ذلك إقرار منهم أن لا حق لهم قبل العاقلة.

                                                                                                                                                                                        وكذلك إذا قال الميت عمدا وقال الورثة خطأ يبطل الدم; لأن الميت أبرأ العاقلة والورثة أبرءوا القاتل.

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا قال الميت: قتلني فلان. ولم يقل عمدا ولا خطأ فقال ابن القاسم: إذا قال الورثة قتل خطأ أو عمدا قيل لهم: فأقسموا على ذلك [ ص: 6489 ] واستحقوا الدية على العاقلة في الخطأ والقود في العمد . وعند محمد في كتاب القسامة قيل لابن القاسم: إن اجتمع ملؤهم على العمد فوقف عنه وقال: الذي هو أحب إلي ألا يقسموا إلا على الخطأ قيل له: ألا يقسمون على العمد؟ قال: الخطأ أبين . فوقف عن العمد وقال في الإقرار: يكشف عن حال المقتول وعن جراحاته ومواضعها وعن حالة القاتل، وعن الحالة التي كانت بينهما من العداوة وغيرها فيستدل بذلك حتى يظهر سبب ما عليه أولياء المقتول فيقسموا حينئذ ويقتلوا، فإن لم يظهر من ذلك عمد ولا خطأ لم يقبل قول الأولياء في الخطأ والعمد كقول المقتول قال: لأن السنة إنما جاءت في قبول قول المقتول فوقف في الخطأ والعمد ، وهذا أحسن فليس من بينهما عداوة كغيرهما، ولا من لا يظن به العمد إلى القتل -لخيره وصيانته- كمن يعرف بالشر، وقد يستدل من صفة الجراحات، فليست [ ص: 6490 ] الضربة الواحدة كالضربات; لأن تكرر الضرب لا يكون خطأ، وإن قالوا: لا علم لنا بطل الدم; لأن الورثة لا تدري هل حقها عند القاتل; لأنه عمد، أو عند عاقلته; لأنه خطأ؟ وهم لا يستحقون ذلك إلا بعد العلم وبعد القسامة على ما يدعونه من أحد الصنفين.

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا اختلفوا فقال بعضهم: خطأ، وبعضهم عمدا، وقال الآخرون: لا علم لنا. فقال ابن القاسم: إذا قال بعضهم خطأ وبعضهم عمدا : يقسم جميعهم وتكون دية الخطأ بين جميعهم مدعي الخطأ ومدعي العمد، وإن نكل مدعو الخطأ بطل الدم ولم يكن لمدعي العمد أن يحلفوا وإن نكل مدعو العمد حلف مدعو الخطأ، وكان لهم نصيبهم من الدية وإن قال بعضهم عمدا وبعضهم لا علم لنا بطل الدم، وإن قال بعضهم خطأ وبعضهم لا علم لنا كان لمن قال خطأ أن يقسموا ويستحقوا أنصباءهم من الدية، فإن نكلوا لم يكن لهم شيء، ولا شيء لمن قال: لا علم لنا حلف مدعو الخطأ أو نكلوا .

                                                                                                                                                                                        وقال أشهب في كتاب محمد: إذا قال بعضهم خطأ بعضهم عمدا حلف جميعهم وكان لمن أقسم على الخطأ: نصيبه من الدية . . . . . . . . . . . . . [ ص: 6491 ]

                                                                                                                                                                                        على العاقلة ، ولمن أقسم على العمد نصيبه في مال القاتل . وهو أحسن، ولا شيء لمدعي العمد على العاقلة، وينبغي أن يكون نصيبهم من الإبل من الأرباع خمس وعشرون بنت مخاض وخمس وعشرون بنت لبون وخمس وعشرون من كل صنف.

                                                                                                                                                                                        وقال مالك في كتاب الإقرار: يقسم مدعو الخطأ خمسين يمينا ويكون لهم نصيبهم من الدية قال : بمنزلة لو قال بعضهم خطأ ونكل بعضهم قيل له فإن رجع الذين قالوا عمدا إلى دية الخطأ كان لهم ذلك وأباه أشهب . وقول أشهب في ذلك أحسن، وأما قول مالك ألا شيء لمدعي العمد فإنه بنى الأمر على القول إذا قالوا عمدا ونكل بعضهم أن الأيمان ترد ولا يحلف الباقون، ويكون لهم نصيبهم من الدية; لأن مدعو العمد يقولون: قول هؤلاء خطأ، نكول عن العمد وعفو عن العمد إلى الدية.

                                                                                                                                                                                        وقال أشهب في العتبية: لو قال اثنان قتل عمدا، [ ص: 6492 ] وقال : لا علم لنا أو قال جميعهم عمدا ونكل بعضهم. أن لمن قال عمدا أن يحلفوا ويستحقوا أنصباءهم من الدية قال: وإنما نكولهم عن القسامة قبل أن يجب الدم كعفوهم عنه بعد أن وجب فيصير لمن بقي نصيبهم من الدية ويسقط القتل، وهو أحسن ولا يسقط قول مدعي العمد بخلاف من قال: لا علم لنا، ومتى سقط استحقاق الدم لنكول أو اختلاف فإن الأيمان ترد، ويحلف المدعى عليه القتل قال: وكل هذا إذا استوت منزلتهم وكانوا بنين أو إخوة أو أعماما .

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا اختلفت منزلتهم فقال في كتاب محمد: إذا خلف القتيل ابنة وعصبة فقالت العصبة: عمدا وقالت الابنة: خطأ، أن دمه هدر ولا قسامة فيه ولا قود ولا دية; لأنه إن كان عمدا، فإنما ذلك للعصبة، ولم يثبت لهم ذلك الميت وإن كان خطأ فإنما فيه الدية على عاقلته ولم يثبت أنه خطأ ويقسم المدعى عليه أنه ما قتله عمد ويحوز دمه .

                                                                                                                                                                                        قال محمد: إن ادعى العصبة كلهم أنه عمدا لم ينظر إلى قول ورثته من [ ص: 6493 ] النساء لأنه لا عفو للنساء مع الرجال وإن قال العصبة كلهم خطأ وقال النساء عمدا أقسم العصبة خمسين يمينا وكان لهم نصيبهم من الدية .

                                                                                                                                                                                        وقال مالك: إذا قال قتلني فلان عمدا أو خطأ لأوليائه أن يقسموا على قوله ويأخذوا الدية في الخطأ ويقتصوا في العمد .

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية